2.6.13

البحر لنا ولهم !


إن الطفل يمكث في بطن أمه سابحا لمدة تسعة أشهر، مما يرمز الى أهمية البيئة المائية بالنسبة للإنسان، ويُرشدنا إلى الإستمرار بتوفير المياه الكونية للطفل وعدم قطع إتصاله بها، وأهم الأماكن التي يتحقّق فيها هذا الاتصال، في البحر ومن ثم في برك السباحة التي هي من صُنع الإنسان. كما أن البحر هو من آيات الله الكونية العظيمة وتُشكّل البحار والمحيطات قُرابة 70% من مساحة الكرة الأرضية، وقد حثّنا السلف على تعلّم السباحة، حينما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، رغم أنه لم يرَ البحر فكيف لو رآه!
لكنّ المسلمين المتشدّدين يُصوّرون لنا البحر وكأنه مرقص صباحي، وهو مكان لهو لا يجوز السفر إليه لأنه يتواجد عنده المنكر، والنساء الفتّانات والعاريات، وعنده تُرتكب الفاحشة ويضعف الإيمان، فهل نسوا أن البحر آية من آيات الله الكونية المُعجزة؟! وهل يُريدون أن يحرموا المسلمين من 70% من مساحة الكرة الأرضية؟! وهل يسعون إلى لجم العشق الفطري عند الإنسان للماء؟! إن هذا الغلو أطلقنا عليه من قبل اسم "الإنسحاب التراجعي"، ذلك أن العرب والمسلمين بتخلّيهم عن شواطئهم فإنهم يمحون أسمائهم تدريجيا من هناك، ويطمسون حضارتهم الراقية تحت التراب، وإذا كان قصد هؤلاء المتشدّدين أنهم لا يريدون أن نُخالط أهل الباطل، فإنهم دون أن يدرون يفسحون المجال لأهل الباطل ليأخذوا حريّتهم في ممارسة الشر، وبذلك فهم (أي أهل الباطل) يُهيمنون على آيات الله التي سخّرها للإنسان وبالمقابل ينسحب المسلمون منها.
أضف إلى ذلك، فإن الشخصية القوية التي تؤمن بمبادئها وإيمانها قوي راسخ، فإنها لا تخشى من الدخول في بحر كل شيء، لأنها واثقة أن العواصف المارقة لا تهزّها، ولذا فهي لا تُحرّم ما أحل الله والطيبات من الرزق بحجة وجود منكر في ذاك المكان، لأنّ الرؤية الشمولية تُحتّم عليها أن ترى الجوانب الإيجابية الكثيرة التي كثيرا ما تُغطّى ويُغض الطرف عنها لأجل أهل المنكر، بهذا المفهوم فإن الإنسان يكون "مُسيّرا" وليس "مُخيّرا" والأفظع أنه مسيّر من قبل أهل المنكر. كما أنّ التهويل من التعرّض لفتنة النساء يقلّ، عندما نرتقي إلى الواقعية ونرى أن كل فئة من البشر تقترب من الفئة الأقرب منها من ناحية عاداتها وتصرّفاتها، وأن بالإمكان العثور على المُراد تبعا لما نبحث عنها، فإن بحثنا عن الفساد فسنجده، وإن بحثنا عن الناس المُلتزمة فإننا سنجدهم أو على الأقل لن نصطدم بأهل الفساد.

الشكلية تنفي الجوهرية !


احدى المطبّات التي لا يلتفت اليها كثير من الناس هي سطحية الفكر، فيمكنك أن تلاحظ اذا أمعنت النظر في ديناميكية المجموعات، أن الحديث ينحصر في الشكليات، فنحن مجتمع يُقدّس الشكليات، ويتغاضى أو ينسى كثيرا من الأحيان الجوهريات. فالمجموعة حين تلتقي يكون للقائها أهداف، ولكنها (أي الأهداف) لا تُعرض بشكل واضح لجميع أعضاء المجموعة عند الشروع في التخطيط، مما يؤدّي بالنقاش الى مسارات سطحية ومبعثرة.   

والشكليات مطلوبة ما لم تكن على حساب الجوهريات، والجوهريات مُقدّمة عليها لأهميتها، فلا ينفع أن نناقش كيف سيكون ديكور المسرح قبل أن نكتب السيناريو، لأننا بذلك نتلاعب بالأفكار والجوهريات لتتلاءم مع الشكليات ! ومن ثم، فنحن مجتمع يخاف من التخطيط المُمنهج ومن الترتيب ونعتبر ذلك رسميات وفضلة لا ضرورة لها وربما مضيعة للوقت، ونقول لمن يريد ترتيب الأفكار هازئين: "أنت مفلسف"، وكأن الفلسفة عيب، أو كأنها تهمة، وبالمقابل فنحن نحب العفوية والعشوائية ظانّين أن هذا هو الأسلوب الذي يتلاءم مع الحياة اليومية ومع عقول الناس البسيطة.

ولربما نحن لا نتقن التخطيط والتنظير وترجمة النظرية الى الواقع، ولذلك نهرب منه خوفا ورهبة، لئلا ندخل في متاهات نحن في غنى عنها، ولئلا نُضيّع وقتا ثمينا، متظاهرين أن التخطيط "الرسمي" هو زائد وهو من التكلّف، في حين أنه هو أساس العمل وهو ضرورة تسبقه !

من مظاهرة وطنية الى الفراش !


لا يُعقل أن تجد متظاهرا يقف في مظاهرة ضد الاحتلال أو تضامنا مع الأسرى أو تضامنا مع أهل غزّة، يحمل الشعارات ويُطلق الهتافات ويُظهر أسمى معاني الوطنية والوفاء لشعبه فتخاله أسدا في ساح الوغى ولربما ظننته قائد المظاهرة، واذا به ما ان تنتهي المظاهرة، يتّصل بصديقته ليكملوا اليوم أو الليل معا، وليصل بهم الأمر الى الفراش !

وبغض النظر عن تعاليم الأديان، فإن هذا التصرّف هو متناقض في جوهره، إذ أن الانسان الذي كان قبل قليل رجل المبادئ والقيم وأسد المظاهرة، ينقلب في غضون ساعات ليتحوّل الى كلب مسعور يبحث عن قضاء حاجته الجنسية ! فكيف لمن هو عاجز عن تحرير نفسه من غريزتها الجنسية أن يُحرّر شعبه من الظّلم ؟ وكيف له أن يُظهر تعاسته ساعة ويُظهر نشوته المُصطنعة ساعة أخرى ؟ كيف له أن يُوافق العادات والتقاليد ساعة ويعارضها ساعة أخرى ؟ وكيف له أن يُظهر نفسه بطل الأبطال ساعة ويُخفي أنه كبير الفئران ساعة أخرى ؟ أليس هذا هو الخداع بعينه ؟ وان قلت لي ان معاشرتك لصديقتك هو أمر مشروع، فلماذا تخاف من الفضيحة ؟ ولماذا تخاف من العار ؟ واذا اطّلع أحد على فعلتك، هل ستكون فخورا بنفسك ؟ ان قلت نعم، فاعلم أن مكانك في المظاهرات هو خطأ فادح وتبذير وقت، فأنت كافر بالعادات والتقاليد العربية !

أما ان قلتَ أن عملية الانحدار الى الفراش هي من حياتك الشخصية ولا يحقّ لي أن أتدخّل، فأقول لك: نعم، ولكنك ستبقى شخص متناقض من داخلك !

لماذا انعكستِ المفاهيم ؟


وفقا للنموذج الغربي فإن اللباس الأنيق للذكر هو القميص والبنطال "الإليجنت" والجاكيت الأسود وربطة العنق، في حين أن اللباس الأنيق للأنثى هو البنطال القصير أو ما يُسمّى بـ "الميني" والبلوزة التي تكشف كثيرا من أعلى الصدر وجزءً كبيرا من الظهر، وهذه النماذج تبرز في حفلاتهم ومناسباتهم العامة ويمتدّ تأثيرها الى الحياة اليومية. والسؤال لماذا هذا التمييز ؟ ومن قرّر هذا اللباس أو ذاك ؟ لماذا يفرض الغرب على الإناث أن يكشفن أكبر قدر من جسدهنّ ليكنّ جميلات ومُغريات، في حين يُحافظ الذكر على جسمه مخفيا ؟ لماذا يُجبر الغرب الأنثى على كشف أكبر قدر من خصوصية الجسد ؟ لماذا يُتوقّع من الأنثى أن تكون مكشوفة من ناحية جسدية ونفسية أمام الجماهير في حين يحتمي الذكر بلباسه وبآليات الدفاع (Defense Mechanisms) ؟ أليس هذا ظُلما للأنثى ؟ أليس هذا استغلالا لجسدها ولروحها ولنفسيتها ؟ وكل ذلك من أجل ماذا، من أجل أن يسعد الذكر ولكي يُلبّي حاجته الجنسية.

انها غاية رخيصة وقعت فيها اناث كُثُر، فلم تنحصر هذه الظاهرة في بلاد الغرب، وانما استوردناها الى بلادنا العربية، ظانّين أننا بذلك نُلاحق ركب التطوّر والحضارة، وقد أفلح الذكور للأسف في اقناع الإناث بما يلي: الأديان كبتتكنّ وظلمتكن أيها الإناث، ونحن سنضمن لكن حرّيتكنّ الشخصية فالبسن ما شئتن، وان لم تلبسن أشياء كثيرة فذلك أفضل، لأنكنّ ستبتعدن عن ذكرى الأديان! وللأسف تقبّلت كثير من الإناث الغافلات هذا الادعاء، ولم ينتبهن الى أنهن يُعلنّ عبوديّتهن من جديد للرجل الذي هربن منه عندما تركن الأديان! وبالتالي هربت الأنثى من سيطرة الرجل في الأديان الى سيطرته في العالم المادي، فصار نموذج الأنثى الأنيق هو تلك التي تكشف نصف جسدها على الأقل، لأن هذا الكشف يُشبع غريزة الرجل الجنسية ! نعم انه الرجل المُفترس الذي تحرّكه غريزته هو من أجبر الأنثى على أن تتعرّى لكي ينعم هو، وبالتالي حوّلها الى سلعة وقتل انسانيتها، لأنها في نظره مُجرّد ماكنة يدخل فيها عضوه الجنسي ويستمتع لمدة قصيرة ومن ثم يلقيها جانبا ليبحث عن غيرها !

وان قالت احدى الإناث مخدوعة أن الأمر لا يتعلّق بنوايا الرجل السيئة وانما اللباس الحالي هو مريح للإناث وعملي أكثر، فنقول لها: أيتها الأنثى، اذا كان هذا اللباس الكاشف واللاصق واللامع مُريحا الى هذه الدرجة، فلماذا لا يلبسه الرجال أيضا ؟! هل يُعقل أن الرجال لا يبحثون أيضا عن اللباس المريح ؟! وان كان الهدف هو لباس مريح فتعالوا بنا نعكس الأمر ليلبس الرجل لباس "الميني" والصدر والظهر المكشوفين، في حين تلبس الإناث القميص والجاكيت والبنطال "الإليجنت" ! أما ان لم يُوافق الرجل على هذا الاقتراح - وهذا هو المتوقّع – فاعلمنْ أن هؤلاء الفئة من الرجال هم أنانيون لأنهم يُفضّلون الاختباء وراء الملابس، في حين يُضحّون بخصوصية الإناث لإشباع رغباتهم الجنسية !  

الغناء الفارغ !


كثير من الأغاني الأكثر انتشارا هي أغاني سطحية، ولا تكاد تحملُ أي معنى، ولربما تكون شطحات من هذيان واحد مسطول أو سكران، في حين أنها تُسمّى فنّا وأبناؤنا يُشاهدها على التلفاز جهارا نهارا ! ولستُ أريد طرح قضية العُري الموجود في أغلب الكليبات والإغراءات والآهات التي تطلقها الفنانات لتحرّك مشاعر الشباب والبنات، ولكنّى أريد أن أتحدّث عن تفاهة هذه الأغاني من ناحية الفحوى.

ولا يمكننا أن ننكر تأثير هذه الأغاني على الأفراد ولو كان تأثيرا لا واعيا، فهي تُوثّر وبشدّة لتصير البنت تحتذي بتلك الفنانة "اللامعة" (وهي فنانة فارغة في حقيقتها) التي تكشف أكثر من نصف جسمها وحولها الراقصون يُمجّدونها وكأنها الملكة، ولتصير قدوة الشاب ذاك الفنان الذي سحّل شعره ولبس الأنيق لتتمايل من حوله الراقصات !

وليس هؤلاء فنانين وليس هذا فنّا، فللفن رسالة والفن أرقى من مكياج ومن عُري ومن كلمات وتأوّهات بائسة، ولنأخذ مثالا من أغنية لتامر حسني بعنوان "مجنون أنا":

 "وهو جنبي بنتخانق كتير اوي، مبطقش نفسي، وببقى نفسي نبعد وكل واحد في حاله، وبتهون عليا العشره وبقول طيب وماله، أنا اقدر على بعده فهو يبعد، تنزل دموعي والوم في نفسي ليه قلت يبعد، وارجع في كل قرار اخدته من ناحيته، بلاقيني فاجأه محتاج لحضنه حنيته، ولا بقدر على بعده، وده يطلع ايه، كل اللي فيه دلوقتى انا، طب اعمل ايه، احساس وعكسه بحسها، أنا مش قادر ولا يوم اكمل معاه، ولا اعيش من غير هواه ده أكيد مجنون انا"

يمكننا أن نقول أنه شهد على نفسه بنفسه، فهو اعترف ضمنا بمجنونية كلامه، ولا أريد أن أؤكّد جنونه، ولكني أكتفي بملاحظة شطحات الهذيان هذه التي لا أجد لها فائدة واحدة لمستمعها ! فما هي الرسالة التي يريد المُغني أن يوصلها لنا ؟ أم هي مجرّد كلمات صدرت بعفوية كأنها الجنون عينه ؟ ومن ثم يُسمّون هذا فنّا ! فانه أبعد ما يكون عن الفن لأنه غناء فارغ وان دلّ على شيء فانه يدل على انعدام الثقافة وانعدام التفكير ! وان كان هؤلاء نماذجا للفن في عالمنا المنسوخ فلا يجب أن نستغرب اذا أصبح أبناؤنا ضحلي الثقافة، عديمي الفكر وفارغين أيضا !

التقديس من التلبيس!


مما يُميّز هذا الدين هو ذاك الاتصال المباشر بين المُخلوق والخالق، فلا يحتاج المسلم الى واسطة لكي يتّصل بخالقه ولا يحتاج الى رجل دين لكي يُباركه، وانما كل انسان يستطيع التواصل مع خالقه، مهما صَغُرَ ذنبه أو كَبُر ! فالتوحيد هو أساس الاسلام وقوام الدين، ويقتضي ذلك افراد الله بالعبودية واخلاص النية له وحده، ولذلك كان الاتصال المباشر هو الحلّ الأمثل، وذلك كي لا يدخل في نية الانسان شيء من الشرك، فهو ظلم عظيم !

ولمّا كان كل ابن آدم خطّاء ولمّا كان البشر غير معصومين باستثناء الأنبياء والمرسلين، كان من الحريّ بنا أن نكون واعين لهذا الأمر، وبالتالي من غير المنطقي أن نُقدّس أشخاصا لأنهم لربما يُخطؤون حتى ولو كانوا أولياء صالحين أو علماء كبار أو مشايخ مُخضرمين ! ولما وقعت أوروبا في تقديس بعض مُفكّريها وعظمائها، كان من الحريّ بنا نحن أبناء دين التوحيد أن ننبذ كل هالات التقديس التي تُحيط بالأشخاص الغير معصومين، لكن ذلك لا يعني أن لا نحترم مفكّرينا وعلمائنا وأن لا نقدّرهم على جهودهم ! مع ذلك في هذه الأيام بتنا نرى هالات من التقديس تُحيط بالشخصيات القيادية الدينية والعلمانية منها وهالات أخرى تحيط بالمشاهير وبرجال الدين وبالشخصيات الوطنية، مما يجعل نقد شيء عند أحدهم أمرا مستحيلا، وان تجرّئ أحد وفعل لنالته لعنات أتباعه، كما أن اعتراف الاتباع بخطأ الشخصية المُبالغ في تعظيمها يكاد يكون مستحيلا، فهم يلوون أعناق الحقائق ليحافظوا على الصورة العامة للشخصية، وهذا كله تقديس من تلبيس ابليس !