7.8.13

البحث عن الكمال !


لا أعرف لماذا نستبعد في ثقافتنا العربية كلمة "آسف" ولماذا نستبعد الاعتذار، واذا سألتَ مُخطأً: لماذا لا تعتذر؟ أجابك: لماذا أعتذر؟ وهل أخطأت أصلا؟ في حين أنه في الثقافة العبرية نسمع كلمة "סליחה" أو "אני מצטער" كل دقيقة مرتين، وفي الثقافة الأجنبية نسمع كلمة "I'm sorry" مرارا وتكرارا، فلماذا نبخل نحن بالذات في الاعتذار ان أخطئنا ؟!

لربما يكون هذا نابعا من موقف الضعيف الذي أُجبرنا على أن نلعبه، فلكونك عربيا في هذه الأيام ينبغي أن تعتذر، ولكونك مسلما ينبغي أن تعتذر، ولكونك "محمد" أو "احمد" ينبغي أن تعتذر، مما أدّى الى أن يرتبط الاعتذار عندنا بالضعف والانكسار والتخاذل والتنازل، ففضّلنا كردّ فعل أن نمحق الاعتذار من قاموسنا، فلا نعتذر للأجنبي، ولا نعتذر لابن جلدتنا، والحاكم لا يعتذر لشعبه، والأب لا يعتذر لزوجته، ورجل الدين لا يعتذر لمُستمعيه ! وكل هذا أدّى بنا الى البحث المُضني عن الكمال وعن نموذج الانسان الناجح الذي لا يُخطئ بتاتا، ودفعنا الى اظهار نقاط القوّة واخفاء نقاط الضعف، والى العمل المُضاعف والى التكلّف من أجل اثبات كمالنا وبُعدنا عن الأخطاء، وبطبيعة الحال أن هذا تكلّف لا يُطيقه أغلب البشر، لأن كل انسان خطّاء، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء والرّسل.

ان خدعة البحث عن الكمال أدّت الى نبذ الضّعاف، فطالب المدرسة المتخلّف عقليا لا يُسمح له بالبروز في هذا المجتمع الأناني، والمُقعد سيظلّ أسير الفراش، والأعمى سيظلّ أسير عكّازته وبيته، والبشع سيحتقر نفسه، والمريض سيُسجن في البيت، لأن مجتمعنا لا يحبّ أن يرى المريض ولا الأعمى ولا الأعرج ولا البشع ولا المتخلّف عقليا ولا كبير السن، ويحبّ أن يرى الفتاة الحسناء، والرجل القوي مفتول العضلات، وفي هذا أنانية لأن هؤلاء أيضا هم من خلق الله ولا يصحّ احتقارهم ولا حبسُهم في البيوت !

الذبّ عن "الإيجو" !


كثيرا ما ننزلق الى الدفاع المُبتذل عن أنفسنا، فيخترع الواحد منا تبريرات لموقفه ويصير يتلاعب بالمنطق ولربما يُزيّف الحقائق وكل ذلك من أجل أن يخرج من النقاش منتصرا برأيه وبفكرته، اذ كيف له أن يتراجع عن موقفه وكيف له أن يعتذر وهو رجل العلم والحكمة ؟! واذا بان للواحد خطؤه فضّل السكوت عن الاعتذار ولربما اكتفى باستغفار الربّ وليذهب الطرف الآخر في النقاش الى الجحيم ! ان ساحة النقاش في نظرنا أشبه بساحة المعركة، وفي المعركة لا اعتذارات ولا تراجعات، والكل يظن أنه على الحق، وأن الفوز والانتصار هما من نصيبه، ولذا عليه أن يطيح بخصمه باستخدام كل الوسائل الشرعية منها والغير شرعية !

واذا تأمّلنا هذا الحال فهمنا أن الذي يدفعنا الى الابتذال في الدفاع هو خوفنا على نفوسنا وعلى شخصياتنا أو ما يُسمّى بـ "الإيجو"، وهذا الخوف يكون على حساب الحرص على البحث عن الحقيقة، فنحن نحبّ أن نظهر كـ "مُقنعين" ولو فهمنا أن حُجّة غيرنا أقوى، ونحبّ أن نظهر "فاهمين" ولو لم نفهم كلمة واحدة مما قيل، أما التنازل فإنه في نظرنا ضعف وتغيير الموقف هو ضعف والمرونة ضعف، في حين أن الباحث عن الحقيقة ينبغي أن يكون مستعدّا لأن ينصت لكل ما يُقال له، ويحاول فهم الرأي الآخر، ولا يضيره ترجيح رأي الآخر ان بانت له قوّة الحجّة.

وليس القصد هو الامتناع عن الدفاع عن الرأي وعن الفكرة التي نُلقي بها في ساحة النقاش، ولكن علينا أن نكون مستعدّين أيضا لفهم وجهة نظر الآخر، وان كانت على حساب رأينا وفكرتنا، لأن ما يهمّنا هو الحقيقة وليس أن نظهر كمُقنعين وكأبطال النقاش الذين لا يُغلبون أبدا !