5.2.15

الدولة التي نُريد


انه ان وضحت لنا معالم الدولة التي نُريدها فستتضافر الجهود لبنائها وستدور العجلة نحو اقامتها، أما ان تغنّى فريق بدولة علمانية وأصرّ فريق آخر على الدولة الإسلامية ودعا فريق ثالث الى دولة قومية، فإن الجهود ستبقى مُبعثرة ولن تكون هناك مساعي مشتركة لأنه لا يوجد هدف مشترك أصلا! ولأن الخوف مزروع بيننا، كل فريق يخاف من مخطّطات الفريق الآخر وننسى بالتالي مُخطّطات المُستعمِر الذي يريد أن يُشغلنا بأنفسنا ويغضّ الطرف عنه، وكل فريق منا لا يثق بالآخر وكل فريق يظنّ نفسه الوطني والمُصيب وغيره ينقصهم كل ذلك. العلماني يخاف من ما يخاله مخطّط المتديّنين: دولة دينية ثيوقراطية (الدولة التي تتحكّم في رقاب الناس أو ضمائرهم باسم الحق الإلهي كما كان في أوروبا القرون الوسطى)، المُتديّن يخاف من دولة مُنحلة لا تعرف للأخلاق طريقا، وكلّنا ينفر من مُخطّطات الآخر لأننا لا نفهم بعضنا البعض.

ولو فهمنا بعضنا لاكتشفنا أن المسافات بيننا قريبة وأن ما نبحث عنه وما نريده هو ذات المحتوى وذات المضمون بشكل عام ولكننا نختلف على المُسمّيات وعلى التفاصيل. ان كلّنا يريد الدولة العادلة، الدولة التي تُعطي للناس حقوقهم بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين، الدولة التي تضمن للناس حريّاتهم، الدولة التي تمنع الطبقية والرأسمالية، الدولة التي تقضي على الفقر، الدولة التي تضمن الأمن لمواطنيها، حرية العبادة، حرية التعبير عن الرأي وغيرها، وبالمقابل تفرض واجبات وقوانينا عادلة وقضاء عادلا. ان غايتها الأولى والأخيرة هو اقامة العدل في الأرض وهذا ما يتوق اليه كل واحد منا. فلماذا لا نسعى الى اقامة الدولة العادلة التي يتّفق عليها جميعنا؟

سيقول لك ان العدل مصطلح عام، وكل واحد يمتلك تصوّرا آخر عن كيفية اقامة العدل في الأرض، والجواب على مثل هذا التساؤل هو لأننا نتكلّم عن كلّيات وهو مما تتطلّبه المرحلة، ولا يظنّ أحد أن هذا الكلّي نظري بعيد عن التطبيق، فأن نُقيم العدل وندحر الظلم هو مما يمكن تطبيقه، اذ هو يُملي علينا دحر المُستعمر، المحافظة والاستثمار في ثروات البلاد، دفع عجلة الانتاج وتنمية الاقتصاد وغيرها من غايات تُساهم في اقامة العدل.

الا أننا نبقى مُتخوّفين طوال الوقت من القادم وهذا التخوّف يثبّط من عزائمنا، ذلك أن خريطة الطريق غير واضحة وربما يقول البعض هي مُقنّعة، لذا نقول أننا نريد الدولة العادلة وليس دولة دينية ثيوقراطية. ويبقى السؤال مفتوحا: هل سنبعد الدين عن الدولة؟ هل نريد دولة علمانية أم أن الطابع الديني هو ما يجب أن يستقرّ في دولتنا؟

انه ان نظرنا الى الأمة العربية فإننا نجد الدين مغروسا فيها ونجد الاعتقادات الما ورائية متجذّرة فيها، من عصر عبادة الأصنام في الجاهلية مرورا بفجر الإسلام الى يومنا هذا (الأبحاث العلمية تسجّل نسب تديّن عالية في أوساط العرب). يمكننا أن نلمس تجذّر الدين في ثقافتنا (الفكر والفن) وفي حضارتنا (أماكن العبادة)، وان كان الدين داخلا في كل هذه المجالات، فما المنطق من وراء تحييده عن السياسة؟ انه ان أبعدنا الدين عن الدولة، فستكون دولة العرب غريبة عن مواطنيها وهي أقرب ما ستكون الى المُستورَد الغربي الذي لا ينسجم مع ثقافتنا وحضارتنا! وليست هذه محاولة لسدّ الطريق على العلمانية من الأوّل ولكن ينبغي عقد محاورات ونقاشات قبل تحديد واقرار طابع الدولة، فلا يجب أن تكون الأمور محسومة عند طرف من الأطراف.

واذا ما استمررنا في بناء ما نؤمن به وهو الدولة العادلة التي لا تكون دينية ثيوقراطية ولا علمانية، فإننا نصل الى الدولة التي يُمكنها أن تُمثّل الشعب العربي في أفضل صورة: دولة مدنية ذات مرجعية دينية. وهذا بالتأكيد ليس محسوما وانما مطروحا على طاولة المُفاوضات، ولكن ما لا يحتاج الى تفاوض وما يجب أن يُرشدنا في المرحلة الآنية هو طلب الدولة العادلة. وما كان خوضنا في تفاصيل طابع الدولة، الا لنُبيّن أن أبناء الإسلام لا يُخفون في صدورهم مُخطّطات مُخيفة ولكنهم يؤمنون بالدولة المدنية التي يكون مرجعها الدين وبالأساس يؤمنون وينشدون الدولة العادلة.