14.7.13

القراءة كنز لا يفنى !


 
من وحي "اقرأ" تبرز ضرورة وأهمية القراءة، فمن يقرأ أكثر يعرف أكثر، والمعرفة قوّة، وهي الوسيلة والسلاح لتحقيق وظيفة الاستخلاف في الأرض. ومن يقرأ أكثر فسيُطوّر من بنيته الفكرية ومستوى تفكيره أكثر وسيوسّع آفاقه، اذ أن القراءة تُغذّي وهي في نفس الوقت تدفع الى الانتاج، فقارئ اليوم ليس سلبيا بمعنى أنه لا يمتصّ ما يقرأ دون أن يتفاعل مع المعاني ولكنّه فعّال، فالقراءة تدفعه الى عرض صورة نقدية للكتاب وتدفعه الى البحث في المسألة أكثر والى اخراج ما عنده من معرفة عن طريق الكتابة أو عن طريق مشاريع وما الى ذلك !

والقارئ سيصبح دقيقا في كلامه وسينتقي الكلمة المناسبة في المكان المناسب وسيُمعن النظر في قوله وآثاره قبل أن يقول، فكل كلمة عنده محسوبة، ذلك أنه يحمل كمّا من الآراء المختلفة ووجهات النظر المُتناقضة أحيانا، وهو يُدرك أن الصورة مركّبة أكثر مما يُصوّرها عامة الناس، ولكنّ ذلك لا يدفعه الى الكِبْر بأي حال من الأحوال، لأنه يُدرك أن نهم العلم والقراءة لا ينتهي، فالإحاطة بكل ما كُتب هو طمع في غير مطمع، وحتى الإلمام بواحد بالمائة مما كُتب منذ بداية عصر التدوين الى يومنا هذا هو صعب المنال، ولذلك فهو دائم الانتقال بين حالتين وهما: العطش والارتواء، فهو يقرأ كتابا ويفرح به ويرتوي به فترة قصيرة، ومن ثم يعطش من جديد، ليطلب قراءة واحد آخر، ولذلك هو أبعد الناس عن الكِبْر وأقربهم الى التواضع.

ومن ثم فالقراءة ستدفع الانسان الى تقليل الغيبة والنميمة في المجالس، ذلك أن هذه الأمور ستصغر في عينه وتبانُ تفاهتها بجلاء، وسيُكثرُ من الحديث حول قراءته – خاصة اذا كان رفاق دربه أيضا من القرّاء - وربما سيعرض قضايا تُشغله ليستشير أصدقائه ورفاق دربه وليثري معرفته من معرفتهم، بل ولربما سيؤثّر عليهم تأثيرا ايجابيا ويدفعهم الى القراءة أكثر والى الاطّلاع على ما غاب عنهم، وستصير جلسات المقاهي أشبه بحلقات نقاش فكرية، وستُرتشف القهوة وتبرد والحديث ما زال مستمرا، فالنقاش لا ينتهي بسرعة، ولكنه في غاية الحلاوة والافادة.   

ولن يقتصر تأثير القارئ على أصدقائه، فهو أيضا جزء من عائلة، وبهذا الحماس سيحاول نقل عدوى القراءة الى أبيه وأمه والى اخوته، لأنه ان فهم أن القراءة هي الوسيلة التي لا غنى عنها، فسيزعجه ان لم يستعمل الأقربون هذه الوسيلة، فهم أقرب الناس اليه وهو يحبّهم ويريد أن يكونوا من خيرة الناس، وهذا القارئ عندما يؤسّس بيتا فستمتلئ خزائن بيته بالكتب، وسينقل هذه العدوى الى أولاده والى أحفاده وستنشأ سلالة قارئة انصياعا لأمر "اقرأ"، وهو بهذا المعنى يُجسّد النموذج القارئ لكل من يُخالط من الناس.