14.1.15

هل لي من عربية ؟


لم أتخيل يوما أن شعورا كهذا سيصيبني فور دخولي أرض العرب! ورغم التشوّق والتأمّل لمثل هذا الدخول الا أنني لم أتوقّع أن تنساب نفسي بهذه السرعة مع أرض جديدة لا تعرفها! أيعقل أنها خانتني وذهبت لتبوح بالحبّ تحت ضوء القمر؟! أم أنها رجعت الى موطنها؟!

-        لكنها لم تكن هناك يوما!  

-        كيف؟! ألم تكن هناك في أحلامها، في أوهامها، في هذيانها، أو لربما في آمالها وتطلعاتها؟!

-        هي لا تهتمّ ان كانت أم لم تكن، ولكنها تريد ما هو كائن وما سيكون.

ولما وطئت قدماي أرض العرب، أخذت أبحث عن حروفنا، عن أبجديتنا، عن ألفنا المنتصبة التي حُرمنا منها، عن ضادنا التي غابت عنا، عن خائنا الصادقة، عن عيننا المفقودة، عن غيننا، عن ياءنا، عن سيننا، عن قافنا، عن كافنا. ووجدت! وجدت أحرفي المبعثرة على اللافتات اليمينية ووجدت مثلها على لافتات الشمال وأخرى أمامي وخلفي! ألا يوجد هناك عبرية؟! وأخذت أتفحّصها فما وجدت حرفا واحدا من العبرية! ألا يحقّ لي أن أخلو بالعربية، أقصد الحروف العربية؟!

ولكن الانجليزية كانت هناك شاخصة جانب العربية، وكأنّ العربية ستبدو منقوصة لو لم تدعمها، تغذّيها، تشدّ أزرها أو تنتهكها، تستعمرها، تستحلها تلك الغريبة الانجليزية! أما آن لك أن تذهبي أيتها الغريبة! عودي من حيث أتيت، فنحن عندنا غين، أعندك؟ انها العين ليست عندك، فأنى لك أن تُبصرين! عودي ودعيني أنمّي اقتصادي، ثقافتي، سياستي وكل ما عندي من دونك!

-        ألا تدري أنها سترشد السائح التائه في بلادك؟

-        بلى، ولكني أدري أنها جاءت مستعمِرة، مستحمِرة، مستشرسة، أحسبت أني أكرهها أم أكره غيرها زائرة؟

-        صدّقني لو أراد العرب دحرها لما أتتك الا زائرة.

وكلما نظرت حولي رأيت ملامح العرب، وكلما مشيت وتعمّقت لم أسمع الا كلام العرب الذي ترافقه رفيقتنا الأجنبية! ولكن لا عبرية هناك؟ نعم، لا عبرية! ولما عطشت اقتنيت قنينة ماء باردة، فما وجدت عليها العبرية! ولما صعدت الى سيارة الأجرة، لم أسمع الا الموسيقى العربية! وعندما دخلت الفندق، كنت أترقّب مفاجئة العبرية! ولكني لم أجدها هناك! واستغربت من نفسي بعض الشيء: لم لا تقدر أن تنسى العبرية وعندها العربية تكفيها؟! ألا يكفيها أن شمّت العربية نسيما وذاقتها عسلا ورأتها تفوح جمالا؟! ألا يكفيها حسنها وجمالها وبلاغتها؟! وما لبثت أن تعدّيت هذا العتاب حتى انغمست نفسي وروحي وكلي في بحر العرب فذبت فيه كالملح. شعرت وكأني كنت هناك منذ زمن أو كأني كنت بين ظهرانيهم في سابق الزمان وصرت أعدّ نفسي صاحب المكان رغم أني مجرّد مسافر سأحمل حقائبي وأعود بعد أيام قليلة.