6.2.15

قومية أو دينية ؟


بعد أن بيّنا معالم الدولة التي نُريدها، لم يَعُد هناك أفضلية للدولة القومية (الدولة التي تقوم على أساس قومي، كدولة الشعب الجزائري ودولة الشعب المصري) أو للدولة الدينية (الدولة التي تقوم على أساس ديني، كدولة المسلمين ودولة المسيحيين). في الماضي قامت الدول على أساس ديني، اليوم هي قائمة على أساس قومي، ولا ندري كيف تقوم في المستقبل، ولا ندري ما تُخبّئه لنا الأيام من مفاجئات ومُتغيّرات. ان ما يظهر اليوم على أنه الخيار الطبيعي والأنسب يمكنه أن يصير غريبا مع تغيّر الزمان. انه ان نظرنا الى دول العالم نستغرب قيام دول دينية، فلكل دولة يوجد اقليم خاص بها ولكل دولة شعب يسكن في اقليمها ولكل دولة سلطة تُدير أمور الشعب ولكن من ذا الذي يدري ماذا سيحصل؟! انه في ظل استقرار عناصر الدولة القومية (اقليم، شعب، سلطة) فإن الدولة الدينية تبان وكأنها معجزة، ولكن علينا أن نكون واعين أننا نُفكّر في اطار مفاهيم عالمنا ويصعب علينا أن ننظر خارج صندوق عالمنا. 

واذا أرادت أطراف مُعيّنة أن تُحدث تغييرا جوهريا في خارطة هذا العالم، فعليها أن تعلم أنها ترتكب خطئا جسيما ان باشرت باستعمال القوّة لتحقيق غايتها. أما ان كان استعمالها للقوّة كردّة فعل لما يُباشر ضدّها فذلك يدخل في دفع الأذى. انه يحظر الإساءة الى عناصر أي دولة كانت، لأن ذلك سيُعدّ احتلالا والاحتلال سيستعمل القوّة والعنف والإرهاب في سبيل تحقيق مآربه الفاشية. كيف لحدود دولة راسخة أن تُستباح؟! كيف لها أن تُخترق؟! أيسمح أحدنا لجاره أن يدخل في حدود أرضه الصغيرة أم هل يسمح لغريب أن يدخل الى حيّزه الشخصي (بيته مثلا) دون اذن؟! وهل نستطيع أن نُحرّك أُناسا (لن أقول شعبا) من هنا الى هناك كما نُحرّك الشطرنج؟! انهم مُرتبطون بأرضهم، راسخون فيها، فيها طفولتهم، فيها ذكرياتهم، منها خرجوا واليها يعودوا. أفنُرَحّلهم منها؟! أفنقتلعهم من أرضهم ونُلقيهم في الجحيم؟! وهل يصحّ أن ننقلب على سلطة الدولة بوسائل غير شرعية تفوح منها رائحة الفاشية؟! انه اعتداء على السلطة وانتهاك للديمقراطية. أيرضى أحدنا أن يكون فاشيا؟!

كل هذه الاعتداءات تحتوي على عنف، اغتصاب، إكراه، كراهية وما الى ذلك من أشياء تقشعّر منها النفس الانسانية وتستعيذ بالله من شرّها. وان كان هؤلاء الذين ينشدون دولا دينية بكل ثمن يريدون تطبيق مثل هذه الاعتداءات، فليعلموا أن هذا الإكراه لا يمكنه أن يصمد وان نجحوا في اقامة دولة دينية بوسائل الإرهاب هذه فإنها لن تصمد، لأن نفوس البشر لا تتقبّل ما يُفرض عليها بالقوّة، بقوة السيف والسلاح! انها تتقبّل ما يأتيها بوسائل الإقناع المختلفة وهي ترقّ عندما تصلها الرسالة عن ترغيب، عن محبّة وعن رحمة! وتصير مرنة كلما زدنا في تمرير الرسائل بمشاعر الإيجاب هذه، وتفتح أسماعها وأبصارها لتعقل الرسالة التي يودّ المُرسل أن يرسل اليها، وعندها يمكن للاستجابة أن تحصل وان حصلت فإنها ستكون متينة قوية. هذه هي روح الأديان التي تنسجم مع روح الانسان، فالأديان لا تدعو الى الإكراه وكذلك النفس لا تطيق الإكراه: "لا إكراه في الدين". لذا نقول أن اقامة دول دينية في عالم الدول القومية يبدو غريبا، ومع ذلك إن صارت دولا قومية عادلة فهو خير، وان قامت دولا عادلة على أساس ديني وفي غياب الإكراه فهو أيضا خير.