22.8.15

حضارتنا


كيف كنا، كيف صرنا والامَ سنؤول ؟

ان واقع أمتنا العربية صعب بلا شك، مؤلم، مر كالعلقم، موجع للقلوب الحيّة، مُشغل للعقول الفذّة، مثير لبكاء العيون الصادقة. حتى أن الواحد منا صار يستحي من هويته العربية ولربما يظن بينه وبين نفسه أنها وصمة عار وأن ضعفه سيبان ما ان يبوح بقوميته. وقد توالت الحملات الاستعمارية التي ما انفكّت تُشكّكنا في قدراتنا، في مجدنا الذي كان، في حضارتنا التي كانت، ليصل الواحد الى المقولة اليائسة المُجحفة "العرب عمرهم ما بصيروا" أو "العرب ولا مرة كانوا اشي يُذكر" والى غير ذلك من أقوال بعيدة عن الحقيقة.

والحقيقة أنه كان للعرب حضارة دامت قرونا، حضارة تميّز فيها العرب وتفوّقوا على سائر الأمم في كافة المجالات. فإن لم تكن تلك الحضارة حديث الساعة في يومنا هذا فلا يعني ذلك أنها لم تكن يوما، وان لم يعترف بها الأوروبيون أو ان تنكّروا لها أو ان أنكروها فلا يعني ذلك أنها لم تكن موجودة. انها كانت موجودة وذلك موثّق في الروايات التاريخية التي وصلت من أكثر من جانب، ولكنها ببساطة غير حاضرة في وعينا، انها غائبة عنا أو لربما غُيّبت عنا. لذا كانت سلسلة المقالات هذه التي تهدف في المقام الأول الى اعادة احياء تلك الحضارة التي كانت لنا، والى تسليط الضوء على ما قدّمته هذه الحضارة للبشرية. انه من يكون واعيا لهذا الزخم الحضاري الذي لا يمكن وصفه بكلمات كثيرة أو قليلة، فإنه سيبقى يُردّد بافتخار أنه عربي، ولو خُيّر أي قومية يريد فسيختار عروبته من جديد. وحتى لو كان الواقع صعبا، وحتى لو كان الموجود لا ينسجم مع الذي كان، فإنه يجب أن نعلم أن للحضارة أطوار وأنه ان كنا الآن في انحدار فلا يعقب الانحدار الا الصعود. هذا هو طبيعة الحضارات على مر التاريخ، ولنا أن نذكر دائما كيف كانت أوروبا ظلامية متناحرة وضيعة قبل سنوات وكيف أصبحت الآن. كذلك فإن تفرّق أمتنا العربية وضعفها في هذه الأيام لهو خير باعث على الأمل في القادم (اذا ما كان الواقع سيئا فإن الأمل يجعلنا نعتقد أن لا أسوأ من الحالي وأن القادم بكل الأحوال سيكون أفضل)، واذا ما كان المجد قادما لا محالة فأولى لنا أن نستذكر المجد الذي كان فنغذّي القادم بالسابق ونضعه نصب أعيننا فنسعى جادّين لبلوغه. 

وقد أهداني الله الى كتاب "حضارة العرب" لصاحبه جوستاف لوبون، وهو طبيب ومؤرخ فرنسي، عُرف بأنه أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة العربية. هذه السلسلة سترتكز على هذا الكتاب. وقد أعجبني كون الكاتب غربي حتى لا تأخذه مشاعر الانتماء الجيّاشة فيُطلق تصريحات شاعرية حول الحضارة التي كانت أكثر من اطلاقه للحقائق التاريخية. واني لأظن أن حضارتنا التي كانت لا تحتاج الى شاعرية ففيها من التقدّم والعلم والرقي ما ينوب عن كل ذلك.  

***

البحث المتفاني

لو كان أجدادنا خاملين كسولين لكان ذكرهم خاملا كذلك ولما نجحوا في ابداع حضارة دامت سبع قرون، ولكنهم على العكس من ذلك، كانوا يقِظين نشطين محبّين للعمل ولذا كان مجدهم وعزّهم. انها طاقات بشرية وهمم عالية تكاتفت وتآزرت وحضّ بعضها بعضا فأنتجت لنا حضارة دامت سبعمائة سنة. ونحن اذا ما أردنا أن نعمل كما عملوا فعلى كل واحد منا أن يبحث عن هذه الطاقات جوّاه وأن يخرجها الى الحياة، وأن يوظّفها في البحث والاستكشاف، أن يوظفّها في التساؤل، في التفكير، في اطلاق العنان لـ "لماذا" و"كيف". وليس البحث خاصا بالعلماء ولكنه شغل كل انسان عاقل، فالبحث يمكن أن يكون في آيات الله الكونية (كيف خُلقنا؟ ما غاية خلق هذا الكون العظيم؟ ...) ويمكن أن يكون في تفاصيل العمل (كيف تعمل أدوات العمل التي أستعين بها؟ هل يمكنني أن أحسّنها أو أن أضيف لها شيئا؟ ...) ويمكن أن يكون في آيات القرآن (ما معنى الآية؟ ...). ولا يكفي النشاط الفردي والبذل الشخصي ولكنه يحتاج الى التضافر والتكاتف والتوحّد، انه يحتاج الى شبك الأيادي في سبيل تحقيق ذات الهدف. انه يمكن لكل واحد منا أن يبسط يد المبادرة، يد التعاون، يد المشاركة ليضمّ جهده الى جهد آخرين فيصير صرحا عظيما لا يمكن التغاضي عنه.

يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: "والإنسانُ يقضي العجب من الهِمة التي أقدم بها العرب على البحث، وإذا كانت هنالك أممٌ تساوت هي والعرب في ذلك فإنك لا تجد أمة فاقت العرب على ما يحتمل، والعرب كانوا إذا ما استولَوا على مدينة صرفوا همَّهم إلى إنشاء مسجد وإقامة مدرسة فيها، وإذا ما كانت تلك المدينة كبيرةً أسسوا فيها مدارس كثيرة، ومنها المدارس العشرون التي روى بنيامين التُّطِبلِيُّ المتوفى سنة ١١٧٣م أنه شاهدها في الإسكندرية، وهذا عدا اشتمال المدن الكبرى كبغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة … إلخ، على جامعات مشتملة على مختبراتٍ ومراصد ومكتبات غنية، وكل ما يساعد على البحث العلمي، وكان للعرب في إسپانية وحدها سبعون مكتبة عامة، وكان في مكتبة الخليفة الحكَم الثاني بقرطبة ستمائة ألف كتاب منها أربعةٌ وأربعون مجلدًا من الفهارس كما روى مؤرخو العرب".

ويقول: "ويُعزَى إلى بيكن، على العموم، أنه أول من أقام التجربة والترصد، اللذين هما ركن المناهج العلمية الحديثة، مقامَ الأستاذ، ولكنه يجب أن يُعتَرَف اليوم بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم، وقد أبدى هذا الرأي جميعُ العلماء الذين درسوا مؤلفات العرب، ولا سيما هَنْبُولد، فبعد أن ذكر هذا العالم الشهير أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفعُ درجةٍ في العلوم، قال: "إن العرب ارتَقَوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء تقريبًا"".

فإن نحن أعدنا اهتمامنا بالبحث وكنا مستعدّين لأن نبذل جهودا مُضنية وضافرنا الجهود البحثية، فإن ذلك سيوصلنا الى التقدّم في جميع المجالات بلا شك، وعندها سيكون بداية تفوّقنا العلمي.

***

اللغة الحيّة

اذا ما أرادت أمة أن ترتقي في سلم الحضارة فلا بدّ للغتها أن تكون لغة حيّة لا حبيسة الكتب، واسعة الانتشار والاستعمال. ذلك أن اللغة هي أداة لنقل العلوم والمعارف، من أناس الى أناس ومن مكان الى آخر. واذا ما كانت اللغة حيّة في قلوب أصحابها وأذهانهم، في واقعهم وحياتهم، فإنها ستُحافظ على مستواها وثروتها بين الناس، بل وستزداد ثراء جراء تفاعلها مع حياة الناس المتبدّلة، مع العلوم والمعارف الآخذة في التقدّم ومع الحضارة. ان اللغة لن تبقى جامدة ولكنها ستكتسب معالم الحضارة وستُساهم هي بدورها في إثراء الحضارة.

اذا ما نظرنا الى اللغة الانجليزية فإننا نجدها من أوسع اللغات انتشارا في العالم في أيامنا هذه، ولذا لا ينبغي أن نستغرب ان وجدنا غالبية الأبحاث العلمية والكتب العلمية باللغة الانجليزية. ولنا أن نتخيّل كم ستكون هذه المعارف قريبة ممن يتكلّمون الانجليزية فهي بلغتهم الأم وهي شائعة عندهم، واذا ما شاعت المعارف بين الناس تيسّرت السبيل الى العلم والمعرفة وحظي العلم بجنود آخرين يدعمونه وهكذا دواليك يستمر الاثراء المُتبادل بين الناس وبين المعارف التي هي بلغتهم. واذا ما ازدهرت المعارف عند أمة من الناس واذا ما تكدّست بلغتهم، فإن كل الأمم الأخرى ستنهل من معارفهم التي كُتبت بلغتهم.   

يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: "ولما صارت اللغة العربية عامةً في جميع البلاد التي استولَوا عليها حلَّت محلَّ ما كان فيها من اللغات، كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية … إلخ، وكان للغة العرب مثل ذلك الحظ زمنًا طويلًا، حتى في بلاد فارس على الرغم من يقظة الفرس، أي ظلت اللغة العربية في بلاد فارسَ لغةَ أهل الأدب والعلم، وظل الفرس يكتبون لغتهم بالحروف العربية، وكُتِب ما عرفته بلاد فارس من علم الكلام والعلوم الأخرى بلغة العرب ... ولم يَشِذَّ عن ذلك سوى الأمم اللاتينية الأوربية التي لم تَقُم اللغة العربية مقام لغاتها القديمة، ومع ذلك فإن اللغة العربية ذات أثر عميق في اللغات اللاتينية، وقد ألَّف دوزي وأَنْجِلْمَن مُعجمًا في الكلمات الإسپانية والپرتغالية المشتقَّة من اللغة العربية".

فإذا ما أردنا أن نعتلي سلم الحضارة من جديد، فإنه من الحريّ بنا أن نبعث الحياة في لغتنا من جديد من خلال عدة مستويات، كأن نُذيق الناشئين روح اللغة وحلاوتها فنحضّهم على القراءة والتبحّر في ميادين اللغة، وأن نعمل جادّين في ترجمة العلوم والمعارف من لغات الأصل الى العربية، وأن نسعى لأن نُدخل المصطلحات العلمية الى لغتنا الأم وأن نخطّ جديد المعارف بلغتنا، فإن سرنا في هذا الطريق فلا ريب أننا نتقدّم نحو الحضارة.

***   

الحرية في حضارتنا

متى ما كانت الحضارة حضارة واثقة منحت أبنائها حرياتهم دون منّ ولا تكرّم، ومتى ما كانت الحضارة واهنة حجرت على أبنائها حرياتهم وضيّقت عليهم وجعلتهم يسيحون في أفق ضيق. ذلك أن الحضارة الواثقة لا تخشى على نفسها من أي جديد، في حين أن الحضارة الواهنة تخشى من كل ما يُبتدع، فكل ما يُبتدع يُهدّد بزوالها ومحقها من على وجه البسيطة.

يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: "والحق يقضي بالاعتراف للعرب بأنهم أولُ من أغضى عما نُسمِّيه حرية الفكر في الوقت الحاضر، فمع ما كان يبديه الفلاسفة من التحفظ الكبير في كتبهم كانت تَبْدُر منهم، في الغالب، تأملاتٌ مشتملة على جانب كبير من الشك والارتياب، ومن ذلك قولُ أبي العلاء التَّنُوخيِّ الذي عاش في القرن العاشر من الميلاد: اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر دين لا عقل له". فلما كانت حضارتنا في أوجها لم يضيرنا أن نسمع أقوالا فيها من التشكيك ما فيها ولم تُجابه تلك الأقوال بحملات تكفيرية شعواء، مما خلق جوّا من الحرية الفكرية ومهّد الطريق للأخذ من الثقافات الأخرى وللإضافة والابداع على ما أُخذ.

يقول لوبون: "وأبعد فلاسفة العرب صِيتًا هو الفيلسوف الشهير ابن رشد الذي كان له أعظمُ تأثير في أوروبا، أجل، يُعَدُّ ابن رشد، عادةً، شارحًا لفلسفة أرسطو فقط، ولكنني أرى أن هذا الشارح سبق أستاذه في بعض الأحيان سبقًا يثير العجب، وأن فلسفتَه مقبولةٌ في كثير من الأمور أكثر من تلك". انه الطالب الذي نقل علم استاذه وزاد عليه ابداعا وفكرا وفلسفة. انه عندما ساد جو من الحرية الفكرية، تسنّى لهذا العالم الفذّ أن يتعمّق في فلسفة الإغريق وأن يسبر أغوارها فيخرجها الى نور العرب. ولم يُبقِ على النقل وحسب ولكنه أبدع من فهمه وأضاف من فكره وعقله، ليُخرج للعالم فلسفة ما زال أثرها قائما حتى يومنا هذا.

ونحن ان أردنا أن نُعيد بناء حضارتنا فلا بدّ لنا أن نترك مجالا للحرية الفكرية، فلا نزجر من أراد أن يغوص في أعماق فلسفة أو علم قوم آخرين ولو لم نتّفق مع ما تدّعيه تلك الفلسفة، ولا أن نجهض الأفكار أو المبادرات الإبداعية. انه لا يجب أن نبقى متشبّثين بالقديم وفقط، ولا أن نخشى على القديم من الجديد، فهناك متّسع للقديم والجديد اذا ما فتحنا عقولنا وآفاقنا.

***

 

أدبنا

ولما أن كانت اللغة حيّة، برع العرب في ميادين الأدب وأخرجوا للعالم انتاجات مُبهرة في جمالها وفي معانيها. وقد عبّرت هذه الانتاجات عن حياتهم التي يحيون وعن مشاعرهم التي يشعرون، عن حكمتهم، عن فطنتهم، عن أخلاقهم، عن مرؤتهم، عن كرمهم. هذه الأعمال تعكس تقدّما ثقافيا فهي بحدّ ذاتها معلم من معالم الثقافة، والبراعة فيها تشير الى براعة ثقافية. وهي مرآة للتقدّم الحضاري والثقافي، فما دامت الانتاجات الأدبية راقية في مقاصدها، عميقة في معانيها، جادّة في مواضيعها فذلك يعني أن الحضارة والثقافة راقيتان، عميقتان، جادّتان، ومتى ما صارت تلك الانتاجات وضيعة، سطحية، هزيلة فذلك يعني أن الحضارة والثقافة في مأزق حقيقي.    

لقد برع العرب في الشعر، يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: ""لم يكن لغوًا قول بعضهم: "إن العرب وحدهم قرضوا من الشعر ما لم تقرضه أممُ العالم مجتمعةً"، وكان من حب العرب للشعر أن صاروا، في بعض الأحيان، يؤلِّفون كتبَ التوحيد والفلسفة والجبر نظمًا، ومن يُطالع قصصهم يَرَى أكثرها ممزوجًا بقِطعٍ شعرية"". ويقول أيضا: "مما بلغ درجة الثبوت في أيامنا، كما يظهر، أن الأوربيين اقتبسوا فنَّ القافية من العرب".

وبرعوا في الروايات والأقاصيص، يقول لوبون: ""والعرب هم الذين ابتدعوا روايات الفروسية، قال سيديُّو: "كان خيال الشعراء يتجلَّى في الروايات والأقاصيص، وكان أتباع محمد من أكابر المحدِّثين دائمًا، وكانوا يجتمعون مساء تحت خيامهم ليسمعوا بعض الأقاصيص العجيبة التي تتخللها الموسيقى والغناء كما في غَرْنَاطَة"، ومن أشهر أقاصيص العرب نذكر مقامات الحريري، ومقاماتِ الهمذانيِّ، وروايةَ ألف ليلة وليلة على الخصوص"".

وبرعوا أيضا في الأمثال، يقول لوبون: "وأمثال العرب كثيرة إلى الغاية، ومن أمثال العرب اقتَبَسَت إسپانية وبقيةُ أوروبا عددًا من الأمثال غيرَ قليل، ومن يُدَقِّق في حكمة سانكُو پانْسَا يَرَى قِسمها الكبير الذي لا ينضِب معينه من أصل إسلامي".

ونحن اذا ما أردنا أن نُحدث تقدّما ثقافيا حقيقيا فعلينا أن ننزع الى الأدب الراقي، العميق، الجادّ وأن نبحث عن المعنى والفحوى، فإن ذلك من شأنه أن يُبعدنا عن السطحية. وبالمقابل، أن نرفض كل أدب رخيص، كل انتاج فارغ من معنى، كل هذيان، كل ما لا يفضي الى تقدّم ثقافي.  

***

ولقد كتبنا التاريخ !

اذا ما ظهرت أمة بين الأمم، جنحت الى كتابة تاريخها والى تسطيره، وجنحت الى توثيق روايتها وحفظها، كيّما تُقوّي نفسها بروايتها فتعلّم الأجيال القادمة عن تاريخ أمتهم وعن مجدهم، ومن ثم فكي لا يُدفن مجدها سريعا اذا ما غابت شمس حضارتها. بل لعلّها وجّهت أيضا اهتماما الى غيرها من الأمم فبحثت في تاريخهم وسطّرته، ونقّبت في آثارهم ودرستها، ذلك أنها لا تبقى محصورة في ذاتها ولكن قوتها وثقتها تمنحها الفرصة لأن تُبعد النظر الى غيرها من الأمم. واذا ما أمعنا النظر في واقعنا رأينا كم من المؤرّخين الغربيين قد وجّهوا اهتماما الى المشرقيين وتاريخهم ليحصلوا بذلك على لقب "مستشرقين".

أما نحن العرب فقد كنا كذلك في الماضي، يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: "من قدماء مؤرخي العرب الطبري الذي ألَّف، في أواخر القرن التاسع من الميلاد، تاريخًا عامٍّا عن الزمن الذي مر منذ بدء العالم إلى سنة ٩١٤م، ونذكر من مؤرخي العرب المشهورين المسعوديَّ الذي عاش في القرن العاشر من الميلاد فألَّف عدةَ كتب في التاريخ، ككتاب أخبار الزمان وكتاب مروج الذهب … وألف ابنُ خلدون تاريخ البربر حيث عَرَضَهم بادئًا بمبادئَ رائعةٍ في النقد التاريخي، وتُرجم كتابُه هذا إلى الفرنسية. وألف المقريزيُّ، المعاصر لابن خلدون، تاريخًا عن مصر يُعَدُّ أحسنَ مصدر للبحث فيها، ويظهر أن هذا التاريخ قِسْمٌ من ثمانين مجلدًا له في التاريخ العام. وألَّف النويريُّ، المتوفىَّ في مصر سنة ١٣٣١م، موسوعةً تاريخية كبيرة. وألَّف صاحب حماة أبو الفداء، المتوفىَّ سنة ١٣٣١م، كتابًا في أخبار البشر عظيمَ الفائدة في معرفة ما هو خاصٌّ بالشرق".

فإذا ما تعلّمنا درسا من الماضي فهو أنه علينا أن نعود الى كتابة تاريخنا، الى تسطير روايتنا، الى التأكيد على ما كان لنا من عزّ ومجد، الى توثيق ما عانيناه من ظلم وألم، الى الابقاء على ما حدث فعلا. عندها يمكننا أن نقطع الشكّ باليقين، فلا يعود أحد يقدر على أن يُشكّكنا بتاريخنا أو بمجدنا أو بحضارتنا، ولا يتمّكن المُسيطر من ابقاء روايته وحسب ولا يتسنّى له أن ينفرد بالحقيقة أو أن يخدع الحاضرين واللاحقين. 

***

في الرياضيات وعلم الفلك

بناء على كتاب حضارة العرب لغوستاف لوبون

·       لقد حوَّل العرب علم الجبر تحويلًا تامٍّا، وإليهم يرجِع الفضل في تطبيقه على علم الهندسة.

·       بلغ علم الجبر من الانتشار بين العرب أبعد الحدود لدرجة أن محمد بن موسى الخوارزمي كان قد ألّف كتابًا بأمر المأمون في أوائل القرن التاسع من الميلاد، ومن ترجمة هذا الكتاب اقتبس الأوربيون معارفهم الأولى لعلم الجبر، بعد زمنٍ طويل.

·       أخذ خلفاء بني العباس يحثُّون على دراسة علم الفلك والرياضيات، وعلى ترجمة ما ألَّفه إقليدس وأرشميدس وبطليموس، وترجَمةِ جميع كتب اليونان في تلك العلوم، ويستدعون العلماء الذين كانوا على شيء من الشهرة إلى بلاطهم.

·       عيِّن العرب انحراف سمت الشمس في ذلك الزمن، فقد كان رَقْمُ الانحراف، ٢٣ درجةً و ٣٣ دقيقةً و ٥٢ ثانيةً، أي ما يَعْدِل الرَّقم الحاضر.

·       عيّن العرب مدة السنة بالضبط، وأقدموا على قياس خط نصف النهار الذي لم يُوَفق له إلا بعد مرور ألف سنة.

·       وضع العرب التقاويم لأمكنة الكواكب السيارة.

·       توصل العالم العربي أبو الوفاء البوزجاني إلى الاختلاف القمري الثالث، فقد استوقف نظره ما في نظرية بطليموس من النقص في أمر القمر فبحث في أسبابه فرأى اختلافًا ثالثًا، غيرَ المعادَلة المركزية والاختلاف الدَّوري، يُعرف اليوم بالاختلاف.

·       داومت مدرسة بغداد الفلكية على ازدهارها إلى أواسط القرن الخامس عشر من الميلاد، ولم تنقطع عن نشر رسائل مهمة في الفلك، ومن ذلك أن نشر البيرونيُّ مقالته في: « تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض ».

·       إن العرب سبقوا كِيپلر وكوپرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِيّ، وفي نظرية دوران الأرض، وإن أزياجَ الأذفونش العاشر المسماة « الأزياج الأذفونشية » مأخوذةٌ عن العرب.

وتُلخَّص اكتشافات العرب الفلكية بما يأتي: إدخال المماس إلى الحساب الفلكي منذ القرن العاشر من الميلاد، ووضع أزياجٍ لحركات الكواكب، وتعيينٌ دقيق لانحراف سمت الشمس ونقصانه التدريجي، وتقدير مبادرة الاعتدالين بالضبط، وتحديدٌ صحيح لمدة السنة، وتحقيق لشذوذ أعظم عرض للقمر، وكشف للاختلاف القمري الثالث المعروف بالاختلاف في الوقت الحاضر، والذي قيل إن تيخو براهه اهتدى إليه في سنة ١٦٠١م لأول مرة.

***

في الجغرافيا

بناء على كتاب حضارة العرب لغوستاف لوبون

·       كتب العرب التي انتهت إلينا في علم الجغرافية مهمةٌ للغاية، وكان بعضها أساسًا لدراسة هذا العلم في أوروبا قرونًا كثيرة.

·       يُعدّ كتاب سليمان الذي نُقل إلى اللغة الفرنسية أول مؤلَّفٍ نُشر في بلاد الغرب عن بلاد الصين، وهو يحكي رحلة التاجرِ سليمان لبلاد الصين في القرن التاسع من الميلاد.

·       قَضى المسعودي خمسًا وعشرين سنة من حياته في الطواف في مملكة الخلفاء الواسعة، وفي الممالك المجاورة لها كبلاد الهند، وقيَّد ما شاهده في تآليفه الكثيرة المهمة التي يُعد كتاب « مروج الذهب » أشهرها.

·       لما كانت سنة ١١٥٤م ألَّف الإدريسي كتابه الجغرافيَّ العظيم، مشتملًا على ما قيده المتقدمون في علم الجغرافية، وعلى ما رواه عن السياح من المعارف الكثيرة، وعلى عدة خرائط؛ فاقتصرت أوروبا على نَسْخِه بدناءةٍ مدة ثلاثة قرون.

·       من خلال المقارنة بين الأمكنة التي عيّنها الأغارقة والأمكنة التي عيّنها العرب، يمكننا أن نرى بوضوح مقدار التقدم الذي تم على يد العرب.

فالعرب هم الذين انتَهَوا إلى معارف فلكية مضبوطة من الناحية العلمية عُدَّت أول أساسٍ للخرائط، فصححوا أغاليط اليونان العظيمة في المواضع. والعرب، من ناحية الرِّياد، هم الذين نشروا رحلاتٍ عن بقاع العالم التي كان يشكُّ الأوربيون في وجودها، فضلًا عن عدم وصولهم إليها. والعرب، من ناحية الأدب الجغرافي، هم الذين نشروا كتبًا قامت مقام الكتب التي ألُّفت قبلها؛ فاقتصرت أمم الغرب على استنساخها قرونًا كثيرة.

***

علم وعمل

لا يقتصر تفوّق العرب في سابق الزمان على العلوم النظرية ولكنه يتعدّاه ليشمل تفوّقا عمليا، انتاجيا وصناعيا. وانه لمن الطبيعي أن تُغذّي النظرية التطبيق وأن يُغذّي التطبيق النظرية، مما يجعل التفوّق في أحدها دليلا على التفّوق في آخَرِها. فمن يملك أسباب المعرفة سيتحصّل له تطبيق هذه المعارف على أرض الواقع، واذا ما طُبّقت وامتُحنت في الواقع صار من الممكن حتلنة النظرية بحسبها.

وقد أبرز العرب تفوّقا علميا في علوم كثيرة، يقول لوبون في كتابه حضارة العرب: "إننا نستدل على أهمية كتب العرب في الفيزياء من العدد القليل الذي وصل إلينا منها، ولا سيما كتابُ الحسن في البَصَريات الذي نُقل إلى اللغة اللاتينية واللغة الإيطالية؛ فاستعان كيپلر به كثيرًا في كتابه عن البَصَريات، ويرى القارئ في كتاب الحسن فصولًا دقيقة عن حرارة المرايا ومحلِّ الصور الظاهر في المرايا، وانحراف الأشياء، وجسامتها الظاهرة … إلخ". ويقول أيضا: "معارف العرب الميكانيكية العملية واسعةٌ جدٍّا، ويُستدل على مهارتهم في الميكانيكا من بقايا آلاتهم التي انتهت إلينا، ومن وصفهم لها في مؤلفاتهم".

وقد برع العرب أيضا في علم الكيمياء، يقول لوبون: "المعارف التي انتقلت من اليونان إلى العرب في الكيمياء ضعيفةٌ، ولم يكن لليونان علمٌ بما اكتشفه العرب من المركبات المهمة كالكحول وزيت الزاج (الحامض الكبريتي) وماء الفضة (الحامض النتري) وماء الذهب … وما إلى ذلك، وقد اكتشف العرب أهمَّ أسس الكيمياء كالتقطير". وأيضا: "ابتدع العربُ فنَّ الصيدلة، ويبدو لنا مقدارُ معارفهم في الكيمياء الصناعية من حِذقهم لفنِّ الصباغة، واستخراج المعادن، وصنع الفولاذ، ودِباغة الجلود … إلخ".

والى جانب التفوّق العلمي كان تفوّق العرب الصناعي، يقول لوبون: "ونعلم ما أدت إليه صناعاتهم من النتائج، وإن جَهِلنا أكثر طرقها، فنعرف، مثلًا، أنهم كانوا يعلمون استغلال مناجم الكبريت والنحاس والزئبق والحديد والذهب، وأنهم كانوا ماهرين في الدِّباغة، وفي فن تسقية الفولاذ، كما تشهد بذلك نصال طليطلة، وأنه كان لنسائجهم وأسلحتهم وجلودهم وورقهم شهرةٌ عالمية، وأنه لم يسبقهم أحد في كثير من فروع الصِّناعة إلى عصرهم ... وأنهم اخترعوا البارود والأسلحة النارية، وصنعوا الورق من الأسمال، وطبقوا البوصلة على الملاحة كما هو الراجح، وأدخلوا هذا الاختراع المهم إلى أوروبا".

***

العلوم الطبيعية والطبية

ولقد كان تفوّق العرب بارزا في كل المجالات ولعلّ أكثر ما يُعرف عن العرب هو براعتهم في الطب. فأسماء مثل ابن سينا والرازي لا تكاد تخفى عنا. واذا ما أردنا أن نستعرض معالم التفوّق في العلوم الطبيعية والطبية فإننا نُلخّصها في النقاط التالية (بناء على كتاب "حضارة العرب"):  

·       وضع العرب الكثير من المؤلّفات في وصف الحيوانات والنباتات والمعادن والمتحجّرات، ويمكن أن ترى فيها من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدّثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة، ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه ابن سينا في رسالته وما خطّه القزويني.

·       وَضَع الرازي آثار من ظهر قبله من الأطباء على محكِّ النقد الشديد، وكان ما كتبه في بعض الحُمِّيَات ذات البُثُور كالحصبة والجدري مُعَوَّلَ الأطباء زمنًا طويلًا، وكان واسع الاطلاع على علم التشريح، وكان كتابه في أمراض الأطفال أولَ كتابٍ بَحَثَ في هذا الموضوع، ويُرى في كتبه وسائل جديدة للمداواة، كاستخدام الماء البارد في الحميَّات المستمرة الذي أخذ به علم الطب الحديث، وكاستخدام الكحول والفتائل، وكاستخدام المحاجم المعالجة داء السكتة … إلخ.

·       ويشتمل "القانون" الذي هو كتاب ابن سينا المهم في الطب، على علم وظائف الأعضاء، وعلم الصحة، وعلم الأمراض، وعلم المعالجة، والمادةِ الطبية، ووُصِفَت فيه الأمراض بأحسن مما وُصِفَت به في الكتب التي ألُّفت قبله. ونُقِلت كتب ابن سينا إلى أكثر لغات العالم، وظلت مرجعًا عامٍّا للطب ستة قرون، وبقيت أساسًا للمباحث الطبية في جميع جامعات فرنسا وإيطاليا، وكان طبعها يُعاد حتى القرن الثامن عشر.

·       وأبو القاسم القرطبي المتوفى سنة ١١٠٧م هو أشهر جرَّاحي العرب، وتخيل أبو القاسم كثيرًا من آلات الجراحة ورسمها في كتبه، ووصف أبو القاسم عملية سَحْق الحصاة في المثانة على الخصوص فعُدَّت من اختراعات العصر الحاضر على غير حق.

·       وجمع ابن زُهْر دراسة الجراحة والطب والصيدلة مع نقص في التحقيق أحيانًا، وتشتمل مباحثه في الجراحة على بيان صحيحٍ في الكسر والانخلاع.

·       لم يجهل العربُ أهميةَ حفظ الصحة، فقد كان العرب يعرفون جيدًا أن علم الصحة يُعلِّمنا طرق الوقاية من الأمراض التي لا يستطيع الطب شفاءها، وكانت مناهجهم الصحية طيبةً منذ القديم، وما أَمَرَ به القرآن من الوضوء، والامتناع عن شرب الخمر، ثم ما صار عليه أبناء البلاد الحارَّة من تفضيل الطعام النباتي على الطعام الحيواني غايةٌ في الحكمة.

·       ويظهر أن مشافيَ العرب التي أنُشئت فيما مضى أفضل صحيٍّا من مشافينا الحديثة، فقد كانت واسعةً ذات هواء كثير وماء غزير.

·       وكان عند العرب جمعيات للإحسان تقوم بمعالجة فقراء المرضى مجانًا في أيام معينة، وكان يُرسَل في الحين بعد الحين أطباءٌ وأدويةٌ إلى الأماكن التي ليس فيها مشفى.

واذا ما أردنا أن نُجمل كل هذا التفوّق فإننا نقتطع هذه الفقرة من كتاب لوبون: 

إن أهم تقدم للعرب في عالم الطب هو ما كان في الجراحة ووصف الأمراض وأنواع الأدوية والصيدلة، وظهرت للعرب عدةُ طرق يعود الطب الحديث إلى بعضها بعد إهمالها قرونًا كثيرة كاستعمال الماء البارد في معالجة حُمَّى التيفوئيد. والطبُّ مَدِين للعرب بعقاقيرَ كثيرةٍ كالسَّلِيخة والسنا المَكِّيِّ والرَّاوَنْد والتمر الهندي وجوز القَيء والقِرمِز والكافور والكحول … وما إلى ذلك، وهو مدين لهم بفن الصيدلة، وبكثير من المستحضرات التي لا تزال تُستعمل كالأشربة واللُّعُوق واللزقات والمراهم والدهان والمياه المقطرة … إلخ، والطب مدين لهم، كذلك، بطرق طريفة في المداواة كطريقة إمصاص النبات بعضَ الأدوية كما صنع ابنُ زُهْر الذي كان يعالج المرضى المصابين بالقبض بإطعامهم عنبًا أشُرِبَ من بعض المُسْهِلَات. وعلم الجراحة مدين للعرب أيضًا بكثير من مبتكراته الأساسية، وظلت كتبهم فيه مرجعًا للدراسة في كليات الطبِّ إلى وقت قريب جدٍّا، ومن ذلك أن العرب كانوا يَعرِفون في القرن الحادي عشر من الميلاد معالجةَ غِشاوة العين بخفض العدسة أو إخراجها، وكانوا يعرفون عملية تفتيت الحَصاة التي وصفها أبو القاسم بوضوح، وكانوا يعرفون صبَّ الماء البارد لقطع النزف، وكانوا يعرفون الكاويات والفتائل إلخ، وكانوا يعرفون المُرقِد الذي ظُنَّ أنه من مبتكرات العصر الحاضر، وذلك باستعمال الزُّؤان لتنويم المريض قبل العمليات المؤلمة حتى يَفْقِد وعيه وحواسه.

***

الفنون العربية

واذا كان لا بدّ أن نختتم هذه السلسلة فإنه لا أجمل من أن نختم بالذوق الجمالي لدى العرب. هذا الذوق الجمالي الرفيع ان دل على شيء فإنه يدل على يقظة روح أوحت بكل تلك الشاعرية وأورثت أصحابها كل تلك الجماليات. اننا نُجمل هذا التفوّق في النقاط التالية (بناء على كتاب "حضارة العرب"):

·       وما على المرء إلا أن ينظر إلى آثار العرب الأدبية والفنية ليعلم أنهم حاولوا تزيين الطبيعة دائمًا، وذلك لما اتصف به الفن العربي من الخيال والنضارة والبهاء وفَيض الزخارف والتَّفنن في أدق الجزئيات.

·       والفنونُ الصناعيةُ شائعةٌ بين العرب في كل مكان، ورَوْشَمُ الفرَّان والدلو والسكين، مثلًا، من الأشياء التي يصنعها العرب بروعةٍ تدل على درجة اتصاف أحقر صناعهم بالذوق الفني.

·       والصور التي على النقود أو الصور التي على الآنية العربية من الأدلة المفيدة على استعداد العرب للرسم وعلى معرفتهم للتصوير.

·       وتطفو الكتابات والنقوش العربية في الغالب فوق صور ذوات الحياة التي رسمها العرب، وقد يَحْدُث أن تؤلَّف الحروف العربية من مزيج من صُوَرِ الحيوانات والآدميين على شكل عجيب.

·       تقدم العرب كثيرًا في الصناعة المعدنية، وبلغ إتقانُهم لبعضها مبلغًا يصعب الوصول إلى مثله في زماننا، وكانت آنيتهم وأسلحتهم مُكفَّتَةً بالفضة ومموهةً بالميناء المُفرَّض ومرصَّعةً بالحجارة الثمينة، وكان مِن تقدم العرب استطاعتهم أن يصنعوا من مادة قاسية كالبِلَّوْر قطعًا كبيرة مغطَّاة بالصور والحِكَم مما يَعْسُر صنعه، ويغلو ثمنه في الزمن الحاضر، ومن ذلك الإبريق البلوريُّ الذي صُنع في القرن العاشر من الميلاد فتجده في متحف اللوفر.

·       وتجلت روح الإبداع العربية على الخصوص في ترصيع المعادن الصالحة لصنع الأسلحة والآنية والأباريق وكِفاف الموازين وأدوات المنازل.

·       وصل العرب في إتقان مصنوعاتهم الخشبية وترصيعها بالصدف والعاج إلى درجة تقضي بالعجب حقٍّا، واليوم لا تُقلَّد إلا بثمنٍ عالٍ. تلك الأبواب العجيبة التي تُرى في بعض المساجد القديمة، وتلك المنابر ذات التقاطيع والتراصيع، وتلك السقوف ذات النقوش المتشابكة، وتلك المشربيات المخرَّمة.

·       وكان العرب يُتقنون صناعة حفر العاج إتقانًا نادرًا أيضًا، كما تشهد بذلك القطع الكثيرة النفيسة التي وصلت إلينا كالصندوق العاجي الصغير الذي صُنع لأحد ملوك أشبيلية في القرن الحادي عشر من الميلاد فيُعرف بصندوق سان إيزيدور الليوني.

·       ولم يلبث العرب أن تقدموا في صناعة الزجاج تقدمًا عظيمًا، كما يشهد بذلك ما انتهى إلينا من أوانيهم المذهبة والمطلية بالميناء.

·       وما اتفق للعرب في فنِّ العمارة بسرعةٍ اتفق لهم مثله في صناعة الخزف، وقد استطاع العرب بعد أن اقتبسوا من الأمم الأخرى طُرُق صُنع الخزف الفنية، أن يبتدعوا منه في بلاد الأندلس على الخصوص، قطعًا مبتكرةً رائعةً متقنةً لم يسبقهم إليها أحد. وترجع صناعة المسلمين للخزف المطلي بالميناء في بلاد الأندلس إلى القرن العاشر من الميلاد، وقد كان لهم فيها مصانع شهيرةٌ تبيع مصنوعاتها في جميع أنحاء العالم.

هناك 5 تعليقات: