15.6.14

طنّانة رنّانة بلا معنى!


إن الهدف الأسمى من وراء نشر مقال أو منشور أو قصة قصيرة أو رواية أو قصيدة شعرية هو تمرير أفكار معينة إلى القارئ وذلك من أجل التأثير عليه وإفادته بالصورة التي يراها الكاتب مناسبة. وقد ساعدت الكتابة ووسائل الإتصال الحديثة على نقل المعلومة من أي شخص في العالم إلى جمهور واسع مهما بَعُدَ فيزيائيا. لذا فإن كل نوع من الكتابة لا يقوم بتمرير الفكرة المراد تمريرها أو يُمرّر فكرة غير مرغوبة وغير مقصودة فإنها تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد. إذا ففحوى الكتابة هي الأساس وليست الكلمات الطنّانة الرنّانة التي تُلخبط القارئ المتوسّط، وليس السجع وليست القافية وليس الوزن هو الأساس. بإختصار ليست الشكليات هي الأساس وإن كانت مهمة ولكن الأساس هو الجوهر والذي يتمثّل هنا بالفحوى.

لكن عندما نتطلّع إلى الواقع نرى الشكليات تأخذ أهمية أكثر من تلك التي تستحقّها وربما يُغلّبها البعض على الجوهر، فنرى الناس يُصدرون البيانات التي تحمل كلمات في مستوى راقٍ، ولكن إذا دقّقنا النظر في تركيب الجملة والمعنى الذي تبثّه إلينا فإننا نفهم أحيانا العكس من المقصود، وذلك لأنّ الكاتب فضّل استعمال كلمات طنّانة رنّانة ليلفت الأنظار ويُري العالم حجم ثقافته الواسع وربما جدّية وصدق أقواله، ولكنّ أغلب اللفظ لم يكن في مكانه وذاك جاء على حساب الأهم وهو الجوهر. إن هذا يرتبط بالسطحية التي طغت على مجتمعنا العربي، فترى الناس يتحدّثون كثيرا عن المظهر الخارجي أو هم متأثّرين به متجاهلين فكر الإنسان وما لا يظهر بلقاء أو اثنين، وما أسرع الأحكام التي يُطلقونها دون التعمّق في الشخصية والفكر والمواهب المكنونة. تجدر الإشارة إلى أن هناك زيادة ملحوظة في الإلتفات إلى الجوهر مقارنة بالسنوات السابقة ولكن ما زالت الشكليات مُسيطرة.

إن هذه اللامبالاة في الدقة اللغوية وترك التعبير البسيط يمكن أن تنبع من عدة أسباب، منها:

1) فرضية مُسبقة أن المجتمع العربي لن يقرأ كل التفاصيل ولن يتعمّق في الفهم وقراءة ما وراء السطور، ذلك لأن المجتمع العربي ليس قارئا وفي أحسن الأحوال سينظر إلى المنشور عدد قليل وسيقرئه الأغلب قراءة سطحية سريعة دون تعمّق.

2) محاولة إدخال المعرفة المُكتسبة من هنا وهناك بالقوّة في النص البسيط، فكأنّما يلتقط الناشر من كل بستان زهرة ليُبدي مدى إطلاعه وثقافته.

3) الإستعجال: فلا مُراجعة جدّية للنص بعد كتابته في أغلب الأحيان، مما يترك مهمة مراجعة النص على القارئ. يقول ربنا جلّ وعلا: "وكان الإنسان عجولا".

4) شعارات طنّانة رنّانة تجذب الأنظار، في حين أن أغلبها يبقى في حيّز التنظير ولا يصل إلى التنفيذ.

إن النهج العلمي مبني على الوضوح وإختيار الطريقة الأيسر لتفسير الظواهر في حال أن كلا التفسيرين منطقي، ولذا فإننا نقول – رغم أننا نرى الفرق بين الحديث الشعبي والعلمي ولكن لا مانع أن يتحلّى الشعبي بوضوح لفظ العلمي - أنه من الواجب إستخدام الجملة الواضحة التي لا تحتمل تفسيرات كثيرة غير المعنى المقصود، ومن الواجب أيضا الإبتعاد قدر الإمكان عن التكلّف لأنّ الأهم هو وصول الفكرة إلى الجمهور الواسع. لذا فمن الواجب ملائمة الكتابة لجمهور الهدف، فإن كان منشورا لعامة الناس يجدُر به أن يكون بسيطا وواضحا لكل قارئ، أما إن كانت رواية فيمكن أن تكون على مستوى أعلى وأن تدمج الإستعارات والتشبيهات وكل أنواع البلاغة اللغوية لكن ذلك لا يعفيها من واجب وضوح القصد. 
كُتب منذ زمن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق