10.6.11

لأواء وأمل



مع إنفجار كل صباح تتجد الحكاية نفسها وتتماثل مع ما قبلها دون تعديل أو تغيير , وكأنها أضحت جزءا من الثوابت الكونية كشروق الشمس أو غروبها . والغريب أننا في عصر يقال له عصر السرعة إلا أنه لم يصل بعد إلى عالمنا العربي والإسلامي , أو أنه وصل بغير جد وجهد منا , فنحن ساكنون نائمون في أوج النهار والعالم يسهر الليالي للتقدم والتحضر والبقاء في أعالي الجبال . إن من طبيعة النفس الإنسانية أن تملّ من الجمود والسكون و"الروتين" الثابت , لذا فإننا نلاحظ ثورة لا مثيل لها في كل مرة يتم فيها وخزنا أو التعرض لنا بسوء , وكثير منا يظن حينها أن الأمور بدأت تتقلّب والأمواج المرتقبة بدأت ترتفع والصحراء المقفرة بدأت تزهر , ولكن نظرة في الواقع تحرمنا من أحلامنا الوردية هذه وتقذف بنظراتنا إلى واقع بئيس لا يعلم حاله إلا الله , فسرعان ما تسكن الرياح وتعود المياه إلى مجاريها فتصب في البحار خبر هواننا على الناس وضعفنا وقلة حيلتنا . إن حقيقة كوننا مسلمين فلسطينيين يضعفنا مرتين عن غيرنا , إذ أن المركب الأول من هويتنا (الإسلام) مضطهد في كل العالم لأنهم يخشون من إنتشاره وتزايد قوته , وهم يعلمون أن في هذا الدين عظمة وقوة تهدد علمانيتهم تماما كما خاف كبراء قريش على تجارتهم , فلم يسلم المسلمون من عداون جبهات كثيرة ابتداءا بمحاولات إعتداء على رموز هذا الدين وأسسه , آخرها محاولة حرق المصحف الشريف وقبلها الإعتداء على الرسول الأكرم بالرسوم المسيئة وحرمان المسلمات المحجبات المنقبات من حرية الدين والتعبير عن الرأي بحجج واهية والإعتداء على أم المؤمنين من قبل الشيعة وإساءة الصحف وإغلاق قنوات إسلامية , وكأن البطولة أصبحت أنه من أراد الشهرة من أسهل الطرق فليتجرأ على الإسلام والمسلمين . أما حقيقة كوننا فلسطينيين فهي تجعلنا ضعافا بحكم كوننا أقلية محكومة , فنحن في لأواء مشهودة وفي هذا تصديق لقول رسولنا الكريم من قبل أكثر من أربعة عشر قرنا في الحديث الشريف : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء فهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: " ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" . كم نحلم أن نستيقظ يوما لنرى مملكة الإسلام قائمة والقرآن العظيم وسنة المختار هما الدستور الأعلى ! كم نشتاق لأن نكون في الصدارة كما كنا في الأندلس فنملك التقدم العلمي والحضاري وننتقل بذلك من التبعية إلى منزلة القيادة ! كم نطمح أن نصنع بأيدينا الطائرة والحاسوب والمركبة الفضائية ! كم نتأمل أن نرى لغة العالم هي لغة العرب وكم نتأمل أن نملك عملة إسلامية وعلم يمثل أمة الإسلام بأسرها ! إذا نظرنا في الحديث الشريف أعلاه فإننا نرى تجسيدا للواقع الذي نحياه وإن كان شطر الحديث الأول قد صار حقيقة فإن شطره الثاني حتما قادم , والنصر وعد ولكننا نستعجل من شدة ألمنا وإنّ مع العسر يسرا . لا بد لكل فرد منا أن يحمل همّ أمته فيرى في نفسه المخلّص والقائد القادم لا لمنصب دنيوي , وإنما من منطلق صون الأمانة وبذل الغالي والرخيص من أجل النهوض من سنوات الظلام . مفاتيح النجاح نعلمها جميعا ولكنّ مشكلتنا أن التطبيق العملي بعيد كل البعد عن نظرياتنا وأفكارنا التي نؤمن بها ونعلم مدى صحتها وصدقها . أهم مفاتيح من هذه هي ضرورة عودة المسلمين إلى دينهم نظريا وعمليا فلا فصل بين الدين والدولة كما هو الحال في الفلسفة الغربية المادية , فمسلمي الهوية كثر وهم كغثاء السيل ولكن من أسلم وحَسُنَ إسلامه هم قليل , والحقيقة أننا نشهد صحوة إسلامية مباركة والدليل على ذلك هو أنه في مواسم الخيرات كشهر رمضان وموسم الحج وصلاة الجمعة نرى تدفقا واسعا على المساجد , وهذا إن دلّ فإنما يدل على وجود الجذر الإسلامي المتأصّل في نفوس كثيرة إلا أنه غير مفعّل على الدوام ولم يتمّ تنميته كما هو مطلوب . لكن بالإضافة إلى هذه الصحوة نشهد أيضا "صحوة غربية" وخاصة في أوساط الشباب الذين راحوا ضحية الفكر الغربي والتحرّر والتمرّد على القيم الحضارية الإسلامية , فبهرهم جمال الحياة المادية ولولا قيود ومراقبة المجتمع لأضحو في أراض بعيدة . عناصر النهضة كلها بين أيدينا فالقرآن والسنة مصونان وفي متناول الأيادي والمساجد موجودة بكثرة والحمد لله , ولكن ينقصنا تفعيل هذه العناصر في ركب الحياة اليومي والخروج من الصمت والسبات العميق إلى الحركة والفعل ورسم الواقع وكتابة التاريخ بالوسائل المتاحة لنا . فلنترك عيبنا للزمان ولنعب أنفسنا على تقصيرنا , ولنترك خلافاتنا جانبا ولنعمل ولنخرج من إنغلاقنا على أنفسنا فنوسّع نظرتنا فنأخذ من الأمم الباقية ما ينفعنا ونطوّره ونبقي لهم كل ضلالة وفساد جاؤوا به , فنباهي الأمم بتاريخنا الحالي وليس فقط بتاريخ الأجداد وأيام بعيدة عنا قرونا . خلاصة القول أنّ بداية كل إصلاح هو من أنفسنا أولا والأيام دُول , وإن كان في هذه الأثناء ظلام دامس فإنه لا يدوم لأن النهار آتٍ بإذن الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق