1.4.12

على نهر بييدرا هناك جلستُ فبكيت





هي رواية تُظهر حقيقة التخيير في هذه الحياة وكيف للإنسان أن يغيّر حياته من نقيض إلى آخر، ومع ذلك يستمر سيره على وجه البسيطة إلا أنه يكون قد سلك دربا مُغايرا تماما عن سابقه. ما أكثر الناس الذين يظنّون أن عيشهم هو أجمل عيش في حين يكونون في وهم مريح، لأنهم لا يُجازفون ولا يفكّرون في غيرهم ولا بتغيير ما حولهم ومن حولهم، ولكنّهم يعيشون لذاتهم ولذا فإنهم يموتون سريعا ولا يتركون بصمة على أثرهم. هؤلاء هم من يتمسّكون بالعُرف والتقاليد ولا يُحدثون فيها ثورة أو تغيير جوهري إلى الأفضل. قسم آخر من الناس يعيش حياته ببساطة وسذاجة ولا يعنيه ما يدورُ حوله ولا توسيع آفاقه من خلال الإطلاع والقراءة، وإنما يبقى منحصرا في عالمه الضيّق يعد العدّة لغده، وهكذا يعيش سنوات كثيرة دونما تقدّم. هؤلاء يخافون الجديد ويفضّلون سهولة ما اعتادوا عليه، أو لربما ينقطع أملهم مبكّرا ولذا فإنّهم يشيبون في ريعان شبابهم ويهرمون في عزّ بأسهم.

كذلك فإنّ الرواية تؤكّد على أن الحياة بلا ألم ومعاناة كبحر بلا سمك، إذ أن الألم هو جزء لا ينفصل عن الحياة، وهذا ينطبق مع المقولة الشهيرة "الحقيقة المرة خير من الوهم المريح"، وهي لب إحدى العلاجات الناجعة في علم النفس الحديث وهو علاج سلوكي-إداركي ويُدعى Act (Acceptance and Commitment Therapy) وبالعربية علاج القبول والإلتزام. ليس الألم شيئا فظيعا وإنما يجب تقبّل الحقيقة بحلوها ومُرّها، وعندها يجدر تحديد الأهداف في هذه الحياة وفقا للقيم والمبادئ وبالتالي الإلتزام بتحقيقها والوصول إليها. هذا يذكّرنا بقول الشاعر: "لا تحسبنّ المجد تمرا أنت آكله، لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا"، وبالقول: "من طلب العُلا سهر الليالي". كما أنّ كلا من العناء والتعب والألم يحمل أيضا جوانب إيجابية، إذ كيف للإنسان أن يعيش كل حياته بنمط ثابت دون صعود ونزول لأنه عندها سيملّ ويضيق صدره، كما كيف له أن يتلذّذ بثمار عمله دون تعب، وكيف له أن يميّز بين لحظات العناء والراحة وبين لحظات اليسر والعسر وبين الخير والشر، كما أن هذا العناء يخدم راحة مستقبلية طال وقتها أو قصُر. يقول مولانا جلّ وعلا في كتابه العزيز: "إنّ مع العُسر يسرا".

إن نهاية الرواية تحمل تحوّلا مفاجئا من شأنه أن يحبط القارئ، إذ أنّ بيلار وبعد أن تحولّت إلى درب المغامرة وتركت الحياة الطبيعية وبعد أن نجحت في مكابدة نفسها التي لطالما حثّتها على العيش الإعتيادي المضمون، تُصعق بتحوّل عشيقها إلى الدرب الذي تركته مع أنه هو الذي حثّها في بادئ الأمر على هجرانه. إنّ هذا التحوّل يوضح لنا الصراع المستمر الذي يواجهه الإنسان عند اختيار مسار حياته، وهذا يكون بارزا بشكل خاص في جيل المراهقة وبالأخص في مرحلة بناء الهوية الشخصية، ولربما هذا يشير إلى أن الشخص يشتهي ما لا يملكه. في نهاية الأمر، تجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية تحكي لنا قصة تطوّر حب من حب مستحيل إلى حب ممكن، بحيث أن كسر الحواجز والجرأة تبدأ تدريجيا حتى يستحيل تشييد السد بعد اختراقه، وعندها يصير التناوب بين دمج المحبَّين في شخصية واحدة وبين شخصيتين منفصلتين تناوبا مستمرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق