28.7.10

فارس حلمي : قصة خيالية من وحي القلم



وبينما كنت أسير تحت قبة السماء الحالك سوادها وبين أزقة ريف موحش قديم لا يعرف حاسوبا ولا طائرة ولا لمسة بسيطة من التكنولوجيا وليس فيه سوى الصمت القاتل وبينما أنا أسير متقوقعا على ذاتي من شدة البرد القارس وإذ بنور شد بصري إليه فلم أزل أتتبعه وهو يقترب صوبي ولا نور سواه وأنا أراقبه برغبة ورهبة والأفكار تلاطمني وتجول بي يمنة ويسرة وأنا متسمر في مكاني أنتظر سبر غور هذا المشهد . وعندما صار بيني وبينه أمتارا أدركت أنه شخص ما قد خرج من بيته حاملا قنديلا ليضيء دربه ولما صار عندي استوقفني ليسأل عن حاجتي وقال لي إنه يعمل حارسا للضيعة ولم يحدث أن التقى بشخص بمثل هذا الوقت المتأخر من الليل . وإذ بهذا الرجل - الذي يبدو ممن صلح حاله - ينقض علي بوابل من الأسئلة والنصائح التي لا تعد ولا تحصى فبدأ بقوله : إني لأنظر إلى واقع زمانكم فتصيبني دهشة ما بعدها دهشة وأعجب كل العجب وأقف حائرا غريبا بينكم تائها في صحراء فهمكم للحياة . قلت له وبكل تحمس ولم كل هذا إن كنتم أنتم في زمانكم وما زلنا نحن في زماننا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة واحدة ؟
في هذه اللحظة تماما نزل الحارس عن صهوة حصانه كأنه يعزم على إلقاء خطاب أو اسماع كلمات لتكتب بماء الذهب وترسخ في عقلي فلا تندثر أبد الدهر . قال لي : يا صاح إن أشد ما يدهشني أن الناس في زمانكم يجولون بين القدس وليلى إلا من رحم الله بل وإن منهم من يستفرد بطلب ليلى فأين أنتم يا من تقولون أنكم مسلمون ؟ تنشغلون في دنيا فانية لا تسوى عند الله جناح بعوضة وتذرون آخرتكم في ذاكرة النسيان إلا من رحم ربي . الأمم من حولكم تتآلب عليكم وتجهز جيوشا لا قبل لكم بها والطائرات والدبابات وأسلحة الدمار الشامل لتواجه حجارة تصرخ : واإسلاماه ولكن هيهات من يجيب المنادي !! ألم يأتكم نبأ خالد بن الوليد وحمزة أم أنكم نبذتم تاريخكم الناصع وراء ظهوركم واتبعتم أهواء العصر ؟ هل تتوقعون أن روميوا سوف ينصر أمة الإسلام ؟ كلا والله . وإني أحذركم من أن تنشغلوا بسفاسف الأمور وتدعوا هم حفظ وحمل راية هذا الدين . كونوا قادة للأمم وإياكم أن تكونوا تبعا لأقوام ضالة مضلة فإنهم لا يغنوا عنكم نصيبا من عذاب الله شيئا . كونوا ممن يغار على عرض أمته وإياكم أن لا تحملوا هم المسلمين على أكتافكم يوما . اعلموا أنه من عاش لنفسه مات سريعا واندثر وأنه من عاش لخدمة أمته ظل ذكره خالدا بإذن الله وانتصر . في هذه الأثناء وبعد سماع هذه الكلمات التي فاحت عطرا زكيا وأوحت إلى سامعها صدقها وشفافيتها فدخلت الآذان بقوة فأطلقت صعقة إيمانية هزت الوجدان وأيقظت الضمير من سباته وبعد سماع كل هذا النبع المتفجر بالإيمان لم أجد شعرا ولا نثرا ولا بلاغة تفي بالرد على هذا الخطاب المؤلم والمحفز بطابعه . هنا وفي هذه اللحظة اخترق أذناي نداء المؤذن لصلاة الفجر فاستيقظت من منامي برعشة ورجفة تاريخية تعلن بداية يوم جديد مفعم بالعمل والأمل ثم توضئت وذهبت إلى المسجد الحزين وأنا أردد : لقد صدق فارس حلمي ورب الكعبة , لقد صدق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق