11.1.15

تعمليش حالك متحرّر !


"تعمليش حالك متحرّر ومخصكش بالدين وانت جوّاتك مش هيك، ولما يموتلك حدا قريب وبعز عليك أو تصير معك مصيبة، بتصير تقول يا رب وبتبلش بالصلوات الطيبات ... وأول ما تعدّي الفترة الصعبة، بترجع لحالك الأول ... كله عشان تبين كوول"

الغفلة يمكنها أن تصيب كل انسان، بعيد عن الدين أم قريب منه، فالإحاطة والوعي بكل الأمور هي غاية لا تُدرك. ذلك أن تركيبنا النفسي يحوي وعيا ولا وعي، والغفلة يمكنها أن تنبع من عدم وعي بالأمر المغفول عنه. يُقال "غَفَلَ  عن الشيء" بمعنى سَهَا من قِلَّة التحفُّظ والتيقُّظ. مما يعنى أن الانسان يمكنه أن ينحرف عن النهج القويم أو أن لا يفطن الى ايمانه أو عمله الصالح، فتأتي الشدائد لتُذكّره ما نسي ولتعيد الى وعيه ما غاب عن وعيه. وعندما يصل الأمر الى الوعي، فإننا لا نتوقّع تراجع ذات الأمر الى اللا واعي خلال فترة قصيرة، ذلك أن ذكرى العُسر ما تزال حيّة. بمعنى أننا لا نتوقّع ممّن ذكّرته مصيبته بإيمانه وعمله الصالح فعزم على العودة الى طريق الايمان، اننا لا نتوقع من شخص كهذا أن يقوم من مكانه كأن شيئا لم يكن ليرجع الى ما كان عليه. ان هذا الرجوع الى اظهار الغفلة لا يمكنه أن ينبع من الداخل، كما أن الذهاب اليه لم ينبع من الداخل، وانما هو نابع من حالة استعمارية.

وقد تبدو كلمة استعمار كبيرة في مثل هذا السياق الذي نرى فيه تمثيلا ساذجا على الناس وعلى الذات. فذاك الشخص يريد أن يُلمّع صورته أمام مجتمعه، ليظهر وكأنّه متحرّر، متفتّح ومنفتح، "غير مُعقّد"، عصري وغير ذلك من الأوصاف المُستوردة. في حالة اليُسر هذه هو يظنّ أنه لا يحتاج الى خالقه ولا الى الايمان ولا الى العمل الصالح، فصورته تلمع بفضل جهوده الذاتية. واذا ما حلّت مصيبة بداره، صار يستغيث خالقه و"يتمسكن"، وما أن تنتهي فترة العُسر حتى يبدأ يتباهى أن خروجه من مصيبته ما كان ليكون لولا دهائه ولولا شخصيته الفذّة ولولا "شطارته". فهو اذا تمثيل ساذج على الناس (تلميع الصورة) وعلى الذات (هو يخدع نفسه ولا يرضخ للحقيقة).

بعد هذا التوضيح بات دور الاستعمار واضحا، فذاك المُستعمَر الشرقي تشرّب صورا للإنسان المثالي من حضارة غريبة عنه، من حضارة الغرب، ليصير يعتقد أن من يتحرّر من "قيود" الدين والمجتمع  المحافظ هو انسان مميّز وسيحظى بإعجاب مجتمعه وسيحظى بإعجاب المُستعمِر بطبيعة الحال. في حين أن هذا اعتقاد خدّاع، فمجتمعه المحافظ لن يُرحّب بمن شُطفت دماغه وصار متحرّرا من كل القيم المتوارثة وبالكاد سيرحّب به في وسط أولئك المُستعمَرين أمثاله. أما بالنسبة للمستعمِر فلن يلتفت اليه في غالب الأحيان فعنده من المتحرّرين ما يكفيه.

كل ما أسلفنا يؤكّد أن هذا التحوّل والتقلّب ما هو الا تقلّب شكلي، نابع من الخارج، يهدف الى ارضاء الناس تارة والى ارضاء رب الناس تارة أخرى (كيّما تتحقّق مصلحة درء المصيبة). وهو بعيد عن أن يكون تحوّلا داخليا وهذا ما يعيبه بالأساس، فلم يتأتّى هذا التحوّل على أثر بحث وحوار داخلي واقتناع بضرورة الدين أم عدمه. ولنسأل: لماذا تحوّل عند فقدان أمه الى التديّن حتى اذا ما مرّ شهور على موتها انقلب مرة أخرى الى التحرّر؟ أيمكن لهذه التحوّلات السريعة أن تكون تحوّلات جوهرية عميقة نابعة من الداخل؟ لو كانت كذلك لكانت أمتن وأصمد في وجه المتغيّرات الخارجية. ففي نهاية الأمر يمكن لبعض التحوّلات أن تكون محمودة اذا ما جاءت على أثر بحث واقتناع.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف11/1/15 21:29

    السوال كيف يمكن الشخص ان يحافظ على دينه والعباده ت بعد ان فقد شخص قريب عليه ودخل الى الدين فجأة , بعد ان تعود سنين كقيرة على غير ذلك؟

    ردحذف
  2. أهلا وعليكم السلام ...
    المفروض ان تكون العودة الى الدين تدريجية بمعنى ان يقوم الانسان بالواجبات والفرائض الأساسية في البداية ومن ثم يزيد ان أحبّ وكان قادرا على ذلك
    ومن ثم فالمصائب تأتي لتُذكّر الانسان وهي امتحان وعادة ما يكون فيها خير خفي (كأن تُذكّر الانسان بدينه وعمله) وبالإمكان التغيّر وبدأ حياة جديدة (هذا غير مستحيل). وتكون هذه البداية كغيرها من البدايات، بداية عمل جديد، بداية تعليم جديد ...

    ردحذف