1.2.15

صراعات داخلية


لا شكّ أن الصراعات داخل وطننا العربي تُوهن وتضرب الوحدة وكلما استمرّت كلما زادت الفجوة بين الأطراف المختلفة. ولربما فهم المُستعمِر أن العربي سرعان ما يستشيط غضبا، فإذا ما غضب نسي عقله وبادر الى ردة فعل مُتسرّعة، بعكس الأوروبي الـ "كوول". ولسنا ندّعي أن العربي عصبي المزاج في جيناته، ولكنه ناتج اجتماعي نجم عن بيئة اجتماعية معينة، من مثل العيشة الصعبة في ظل نظام حكم ديكتاتوري. وليس الاستعمار هو المسؤول الوحيد عن مثل هذه الصراعات الداخلية، فإن كان هو من يؤسّس لمثلها ويوقد شرارة اشتعالها من حين لآخر، فسنبقى نحن من نقبل على أنفسنا دور المُتصارعِين.  

ومثل الاستعمار والصراعات الداخلية كمثل مجموعة من الأولاد يلعبون ويلهون بسلام وأمان فتأتي مجموعة أخرى تريد أن تُشتّت شملهم وتُفرّقهم اما لغرض ما أو لمجرّد أن تهنئ بتقاتلهم وافتراقهم. تأتي المجموعة الخارجية فتقول لواحد من المجموعة الأولى ان صاحبك يقول أنك فاشل في اللعب ويقولون لآخر ان صاحبك قال عنك كلاما فاحشا وهكذا يعمّ صراع داخلي بين أعضاء المجموعة التي كانت تلعب بسلام وأمان وتتفرّق وتجهض اللعبة الهنيّة. كذلك فإن ما يحدث الآن في عالمنا العربي هو زرع مشابه للفتن بين أبناء الصف الواحد ومحاولة تأكيد ذلك بإثباتات واقعية ونظرية.

انهم يقولون: انه مسلم، اذا فاحذره! انهم يريدون اقامة دولة الاسلام التي لا مكان لكم فيها، لا ديمقراطية عندهم، لا حقوق، لا حريات! انكم ستصيرون عبيدا عندهم! وسترجعون مائة سنة الى الوراء! وعندهم حدود! انهم سيقتلونكم، سيُقطّعون أيديكم، سيجلدونكم وسيرجمونكم! واذا لم تُصدّقوا فشاهدوا ارهاب "داعش".

ويقولون: انه مسيحي لا يؤمن بما أُنزل على محمد فاقتله أو أدخله الاسلام رغم أنفه! انك ان لم تفعل فسينشر الفساد في الأرض، سينشر التثليث! كفّره وفهّمه أنه كافر! واذا لم تُصدّقوا فلا تنسوا الحروب الصليبية!

ويقولون: انه شيعي، انه يسبّ الصحابة! وان لم تُصدّق اقرأ هذا من كتبهم أو اسمع قول أحدهم! ويقولون: انه سني، انه لا يُكرّم عليا!

ونحن نُصدّق أقوالهم ووعظهم لنا، ذلك أنهم لم يأتوا بأشياء غريبة عنا وانما درسوا ثقافتنا أكثر مما درسناها وتراثنا أكثر مما درسناه، ليسهل عليهم بذلك ايقاعنا في شَرَكهم وفي لعبتهم. ولكنّ العيب في ما يعظون به أنه مُجتزئ، خارج عن سياقه، مخلوط بأقوال خبيثة ولربما مدسوسة. فعلى سبيل المثال يمكنهم أن يُركّزوا وعظهم على عادة سيئة توارثناها أو على رأي شاذ أو نادر أو على قول رجل لا يُؤخذ بقوله وهكذا، كمثل الكاميرا التي تُركّز عدستها على ورقة متجاهلة الشجرة التي تحملها. ونقول في النهاية أنه يمكن لكل واحد أن يؤمن بما يؤمن به وأن يكون بيننا عيشا، حضارة وثقافة مشتركة، دون تحريض أو مسّ بمعتقد الآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق