1.2.15

اسلاموفوبيا !


لقد بات الخوف من الإسلام ظاهرة مُنتشرة في أوساط غير المسلمين وحتى في أوساط المسلمين، فصوت المُتشدّدين عالٍ ويزداد عُلُوا من يوم الى يوم. العالم بات يخاف من شريعة الإسلام، ذلك أن هؤلاء قدّموها على أنها ذبح وجلد ورجم! ولو تمعّنا في العوامل التي أدّت بنا الى الاسلاموفوبيا لاكتشفنا مُجدّدا أنهما عاملان أساسيان وهما: الاستعمار والقابلية للاستعمار.

يُعنى الاستعمار بالتفريق بين أبناء الوطن الواحد، بين أبناء هذا الوطن العربي! وقد وقع المسلمون ضحية لمثل هذا الاستعمار، عندما سمحوا للمُستعمِر أن يُساهم بتشويه صورة دينهم، ليصير دين الإسلام دين السيف والقتل والدماء! دين الحرب، لا دين السلم، بعكس اسمه وروحه! ووقع العرب عامة ضحية الاستعمار عندما صدّقوا الصورة المشوّهة التي عرضها الغرب عن الإسلام، وقد نجح الغرب في تخوفيهم من هذه الصورة الخبيثة وأدّى بهم الى نحر الديمقراطية كي لا يصل الإسلاميون الى الكرسي.

وقد جلب الغرب أدلة "دامغة" (كمثل التركيز على ارهاب الجماعات الاسلامية المُتشدّدة وأقوال وفتاوى نادرة من جراء بحثهم في كتبنا) على ارهاب الإسلام فاقتنع كثير ممن لا يرون الصورة الكاملة. هذا التشويه وذاك التركيز على مساوئ المسلمين هو مما يخدم مصالح المُستعمِر، اذ هو يُكرّه الناس (عربا وغير عرب) بالإسلام وكل ما يتبع له، مما يجهض امكانية بناء وطن عربي آمن، بل ويودي الى صراعات داخلية بهدف منع صعود الإسلاميين الى الحكم.

والمسلمون أنفسهم هيّئوا البيئة المناسبة لتقبّل هذا الاستعمار، فإذا نظر الواحد منا حوله وجد الكمّ الهائل من الآراء الفقهية الجامدة ومن اللا منهجية في التعامل مع موروثنا الثقافي والديني. اذا سمع أحدهم قولا لابن تيمية، فإنه يجمد عنده ولا يُعطي لنفسه ولا لغيره فرصة اعادة النظر في المسألة، ولا يهمهم تغيّر الزمان والمكان ولكن رأي ابن تيمية يجب أن يُعمل به أبد الدهر! وهكذا فإن هذا الجمود وهذا التحجّر لم يُولّدان الا عقولا مُتحجّرة عاجزة عن أن تأخذ بأيدي الواقع والناس الى حال أفضل. انه تمّ قتل اعادة النظر في النصوص الدينية وما يجرؤ على ذلك الا القلة وما يجرؤ الا قلة القلة على مخالفة الرأي السائد. ان هذا الجمود الديني وضعف القراءة والاطلاع والثقافة، كل ذلك دفع بالغرب الى أن يستغلّ الفرصة ليغسل الأدمغة العربية المُفتقرة الى المعرفة.

لقد صار الاسلام شبحا يُخيف الأطفال، بيد أنه دين الرحمة للصغير وللكبير، للشجر والحجر. صار المسيحي يرتجف عند سماع اسم دولة الإسلام وحقّ له ذلك، وصار المسلم المعتدل يرتعد عندما يسمع عن تطبيق الشريعة، وصارت النسوة تخاف من أن يذهب أولادهن الى المساجد كي لا "يتعقّدو" من رجال الدين! الكل صار يخاف من هذا الدين، أهذا هو دين الرحمة؟ أهذا هو الدين الذي يضع قانونا قمّة في التسامح والتعايش: "لا إكراه في الدين"؟ هل الخوف هو الذي يشدّ الناس الى الدين؟ بالعادة، الناس يخافون من شيء يُهدّدهم أو من شيء يظنونه يُهدّدهم، فنجد خوفا من المُرتفعات ومن العتمة ومن الوحوش وهكذا. أنريد لدين الاسلام أن يكون وحشا يقضّ مضاجع المخالفين أم محبة ورحمة تُصيبهم فيحبّونه؟ اذا لم نُغيّر المسار ونُحبّب الناس الى هذا الدين (ليس عن طريق تزيينه فهو لا يحتاج الى تزيين، اذ هو جميل من الداخل وفي روحه ان نحن فهمناه حقّ الفهم) فكيف لنا أن نبني وطنا وكيف للمسلمين أن يعيشوا مع غيرهم عيشا مشتركا؟

انه من الواجب على العرب أن يكونوا نبهاء، فلا ينخدعوا برواية الغرب غير الموضوعية عن الإسلام، لأنه عندها سيتحقّق ما يرنو اليه الغرب من غايات استعمارية كمثل اشعال الصراعات الطائفية وتدمير الأوطان. والواجب عدم الانسياق وراء دعاياتهم المُنفّرة، اذ تبان هشاشتها فور أن نقرأ نصوص هذا الدين التي يُخفيها هؤلاء: "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين" أو "لا إكراه في الدين" أو "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وغيرها من الآيات. وهم قد رأوا ضعف الأمة الإسلامية فاستغلوا الفرصة وأضعفوها زيادة بدعايتهم، فكأنّ الإسلام انتهك مرتين: مرة على أيدي أهله الذين لم يفهموه حقّ الفهم ومرة على أيدي هؤلاء الذين أشاعوا دعاياتهم عنه. لذا وجب على كل مُنصف أن يطّلع بنفسه على أقوال وأخلاق أمة الإسلام عن كثب، قبل أن يحكم من خلال دعاياتهم، وليعلم أن الجماعات المُتشدّدة البارزة ليست هي ممثلا عنه كما أن الوهن الذي أصاب أمة الإسلام لا يُمثّل الإسلام، انه ببساطة فهم بائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق