31.7.13

في الكتابة ...


الكتابة هي عالم بحد ذاته، فأنت حين تكتب فانك تستغرق بكل حواسك وتنخرط في عمق المعاني التي تخطّها، وربما تنسى الأشياء التي حواليك لمدة معينة، وربما تنسى الوقت، وتشعر للحظة أنك موجود خارج الزمان والمكان، فالكلمات التي تصدر من قلبك وعقلك تأسرك، وتأخذ جُلّ انتباهك، وتُدخلك الى العمق لتعيشَ التجربة التي تصفها مرة أخرى، كيف لا وما تكتب هو جزء منك، وهو ينمُّ عن فكرك وعن عقلك الواعي واللا واعي وهو ينمّ عن شخصيتك، وبالتالي فما تكتب هو أنت !

والكتابة هي انتاج حقيقي وهو أثر تتركه بعد انتهاء عمرك، وبالتالي فهو مُحبّب لمن تُشغله المعاني الوجودية للإنسان في هذه الحياة المُنتهية حتما، وهو مُحبّب لمن يدرك قصر حياته على هذه الأرض، فلكي يستمر وجود الانسان أكثر، لا بدّ له أن يكتب، لتظلّ كتابته حيّة وروحه حيّة بعد فنائه المادي، ولذلك لا نُبالغ ان قلنا كما قالوا: "أنا أكتب، اذا أنا موجود"! وخلافا لبقية الانتاجات، فالكتابة مُرشّحة لأن تدوم سنينا كثيرة، اذا ما حظيت باهتمام الأتباع والجماهير !  

والكتابة هي فعل ينجم عن تفكير وعن اعمال للعقل في الغالب وعن نظر في النفس وفي الذات، ويساعد ذلك الكاتب ان كان صادقا في كتابته، مرتبطا بصورة شعورية بما يكتب، على تأمّل ذاته وفهم نفسه أكثر، كما أنها (أي الكتابة) هي فعل يساعد على الفضفضة وعلى اطلاق الأحزان والأفراح والأفكار الكثيرة من داخل الانسان، وبالتالي لا تبقى حبيسة مصدرها، مما يساعد الانسان في الوصول الى الراحة النفسية. لذلك ليس كل ما يُكتب سيُنشر على الملأ، فيمكن أن يكتب الانسان في يومياته أو في ملفاته الخاصة لكي يُحرّر غضبا أو حزنا أو فرحا زائدا، فلا يجب أن يشعر الانسان أنه مُلزم بالنشر، وأن خصوصيته مُقتحمة اذا كتب وسطّر مُختلجات صدره. هذا القول يُوصلنا الى أن الكتابة هي وسيلة لمشاركة الآخرين بمكنونات النفس وبمكنونات الفكر، ولذلك ينبغي على الكاتب المستنير أن يميّز بين كتابة شخصية يُعبّر فيها عن تجارب ذات تأثير قوي، ولربما عن رغبات مكبوتة وتخوّفات شخصية، وبين كتابة مفيدة للآخرين، بمعنى آخر عليه أن يُفكّر فيما اذا نبعت كلماته من مصلحة شخصية أم من تفكير في المصلحة العامة.

ملاحظة: هذا لا يعني أن الكتابة المنشورة لا يجب أن تحوي عواطف صادقة وجيّاشة والآلم وأحزان ولربما تخوّفات، ولكن يجب لفت النظر الى مدى فائدتها للآخرين قبل اقرار النشر من عدمه! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق