31.7.13

خسر المُصنّفون!


بعض الناس يصعُب عليهم أن يتحرّروا من القوالب ومن "الستيجموت" (stigma)، حيث أنهم يرون الآخرين محشوّين في قوالب ضيّقة، فإن قلتَ له: هذا عربي، قال في نفسه: مُتخلّف، وان قلتَ له: هذا مسلم، قال في نفسه: ارهابي، وان قلتَ له: هذا علماني، قال في نفسه: مُنحلّ أخلاقيا، وان قلت له: فلان من عائلة كذا، ربما سيقول في نفسه أو لك: هذه العائلة شخصياتها ضعيفة، وان قلتَ له: هذا محامي، فسيقول: رأسه قاس، وان قلتَ له: أنثى، فسيقول: ربّة منزل، وان قلتَ: طبيب، فسيقول: شخص عظيم، وان رأى فتاة تلبس ملابس ضيّقة وكاشفة لنصف الجسم، فسيقول: عاهرة !

والسؤال هو: لماذا نُكمل الصورة من تلقاء نفسنا ؟ وهل اذا عرفنا صفة واحدة، فإننا سنستطيع فهم الانسان الذي أمامنا فهما دقيقا ؟ ان هذا الاستعجال في التصنيف يعكس استخفافا ظاهرا في الانسان، واستخفافا في تميّزه وشخصيّته الفريدة، لأننا لا نُفسح المجال له لكي يعرّف بنفسه من يكون، وانما نُفضّل أن نكمل الصورة من عندنا ووفقا للقوالب التي في رؤوسنا، ونغفل أو نتغافل عن أن الانسان أكثرا تعقيدا من القوالب ! ومن ثم فإن هذا التصنيف يشير الى أنانية عندنا، فنحن نريد أن نريح أنفسنا سريعا، فعندما ندخل الانسان الى قالب، نكون قد أثبتنا لأنفسنا صدق تفكيرنا وذكائنا في التشخيص، وبالتالي لا نوجع رؤوسنا في محاولة فهم الانسان الذي قبالنا، فبصيرتنا قوية وذكائنا خارق ولذلك لا تخفى علينا خافية ! ولو علم هؤلاء المستعجلون كم من الوقت يستغرق لأهل الاختصاص (الأخصائيون النفسيون) حتى يُشخّصوا الانسان الذي أمامهم تشخيصا دقيقا، فانهم سيُفضّلون السكوت على الكلام، والابتعاد عن المواطن التي يبان فيها جهلهم !

ولا يمكن الاستغناء عن التصنيف في النهاية، فلكي يُعطي الطبيب دواءً، فانه يحتاج الى أن يُشخّص المرض، ولكي يُعالج الأخصائي النفسي، فهو بحاجة لأن يُشخّص الحالة، ولكنّ التشخيص لا يمكن أن يكون مقبولا، الا اذا بُني على أدلة وعلى بحث وعلى تفكير منطقي، وهو بطبيعة الحال يحتاج الى وقت معيّن ولا يمكن اختصاره (أي الوقت) لرمشة عين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق