28.5.14

من قال لك هذا؟


هل هذا قولك؟ هل هو نابع من جوّاك؟ أم أنه قول قيل لك أو قيل على مسمع من أذنيك؟ أم قول حفظته دون أن تعيه؟ أم قول لُقّنته؟

ان الأسئلة أعلاه تُعنى بالبحث عن المصدر. من أين جاء ادعاؤك الأول ومن أين ينبع الثاني؟

اننا يمكن أن نُقسّم الأقوال بحسب المصادر الى أربعة أنواع: قول نابع من الداخل ومفهوم (مفهوم للقائل)، قول نابع من الداخل وغير مفهوم، قول نابع من الخارج ومفهوم وقول نابع من الخارج وغير مفهوم. أما النوع الأول (قول نابع من الداخل ومفهوم) فيدخل فيه كل قول ينبع من داخل الانسان وهو فاهم، مدرك وواعٍ لمعناه. هذا النوع من القول ينبع في الغالب جرّاء التأمّل والتفكّر، وهو يعكس أعلى مستويات الوعي الانساني، ذلك كأن يدرك الانسان جرّاء تجربته شيئا ذي قيمة عن نفسه أو عن العالم. النوع الثاني (قول نابع من الداخل وغير مفهوم) يعني كل قول ينبع من داخل الانسان ولكنّه لا يكون مُدركا وواعيا له. قول كهذا يمكن أن يظهر في زلة فرويدية أو في التنويم المغناطيسي أو في الاختبارات الاسقاطية، وكلها طرق يمكنها أن تكشف عن اللا واعي، فالقول ينبع من داخل الانسان ولكنه غير متواجد في وعيه. العلاج النفسي يمكن أن يساعد الانسان على أن يصبح واعيا أكثر لهذه الجوانب اللا واعية.

النوع الثالث (قول نابع من الخارج ومفهوم) يعني أن تسمع قولا من أحدهم، فتفهمه، تعيه وتعقله ومن ثم تُعيد صياغته بكلماتك لإيصال الفكرة أو تحافظ على نفس الكلمات ان كنتَ مُقتبساً. مثالنا على ذلك، الاستشهاد بأقوال العلماء والمفكّرين لتدعيم الرأي. النوع الرابع (نوع نابع من الخارج وغير مفهوم) وهو الشائع في زماننا هذا، حيث يُردّد كثير من الناس ما لا يعون معناه وما لا يعقلون. فهو قول قاله أحدهم وتمّ تبنّيه دون النظر مجدّدا في مرماه ودون محاولة استقصاء معناه، وانما تم الاكتفاء بترديده على الألسن كالببغاوات. هذه الأقوال لكونها دارجة على الألسن، انتقلت من واحد الى آخر، متعدّية حاجز العقل (الا عند القلّة)، لتنشر معناها المتعارف عليه بين الناس وبالتالي لتُساهم في توكيد المعاني الضمنية ولتتسرّب الى اللا واعي فتستقرّ هناك. مثال على مثل شعبي مُتردّد على الألسن أكثر من تردّده على العقول: "امشي الزيق الزيق وقول يا رب الستيرة"، هل ينتج لنا هذا المثل انسانا فعّالا؟! هل ينتج انسانا مُبدعا خلّاقا؟! ان ترديد مثل هذه الأقوال نابع من ويساهم في انتاج الخراف التي تتّبع ما يُقال لها! طائعة، لا تخالف، لا تنتقد ولا تجادل! ما تسمع هو عين ما تقول!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق