28.5.14

الرؤية في الضباب


ان هذا العصر أشبه بحالة الطقس الضبابية التي لا يكاد يرى الواحد فيها الطريق التي ينوي سلوكها. فإذا نظر الى السماء وجدها ضبابية ووجد الشمس عندها متلاشية، واذا نظر يمنة وجد الضباب نفسه والأشجار التي كان يراها كل يوم لم تَعُد تبان رغم وجودها، والبيوت المتلاصقة كذلك انمحت من مجال الرؤية رغم وجودها، واذا نظر يسرة فالمشهد يستنسخ نفسه وكأنّ مرآة وُضعت في النصف لتعكس الجانب الأول على الثاني أو الجانب الثاني على الأول، فلا فرق! والأمام أكثر ما يحزّ في نفسه، إذ عبره سيسير! ولكنّ الأمام لا يسمح له أن يراه دفعة واحدة وانما يُقسّطه هيئته أقساطا أقساطا تضامنا مع الجو الضبابي. انه مجبور على الاستمرار في المسير، فالحياة عموما وعقارب الساعة خصوصا لا تنتظر أحدا، وان تنازل وقرّر التقهقر الى الوراء فإنه سيصادف نفس المشهد، إلا أنه سيكون من الأعسر عليه أن يتراجع الى الخلف في مثل هذا الجو الضبابي.    

السماء انقطع وحيها ولكنها تركت لنا المعجزة الخالدة، وعن اليمين (الشرق) يأتينا الاستبداد وقمع حريات المواطن العربي، وثورات وانقلابات وفوضى وعدم استقرار، وعن اليسار (الغرب) تأتينا الاتهامات بالتخلّف والرجعية والهمجية ومن هناك تتولّد نظرية المؤامرة، وفي الأمام يقف المستقبل غير واضح المعالم، وفي الخلف يتسمّر الماضي الذي يُجنى عليه ويُشوّش ويُحرّف بكل الطرق، ونحن في الوسط مجبورون على الاستمرار في المسير رغم صعوبة الرؤية ورغم الضباب المحيط بنا من كل مكان. هل سنبقى ننتظر زوال الضباب؟! لا! سنكمل المسير ولكن بخطىً ثابتة، متوازنة، متعقّلة، متوكّلة، لكي لا يكون سيرنا عبثا ولكي لا نضلّ الطريق. اننا مجبورون على اضاءة الطريق بكل ما أوتينا من وسائل (تجربة سابقة، تعقّل ...)، كي نقاوم الضباب الكثيف ولئلا ننحرف عن المسار. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق