28.5.14

طلب الشهرة


قرأتُ في احدى الفتاوى فيما يتعلّق بطلب الشهرة نصّا مفاده: "طلب الشهرة مذموم بكل حال، والمؤمن مخبت متواضع، لا يحب أن يُشار إليه بالأصابع، ومن أعظم ما يفسد على المرء سعيه إلى ربه: حبه للشهرة، والشرف في الناس، والرئاسة عليهم" (موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم 177655). ولست أبغي في تعليقي هذا مخالفة الفتوى لغرض المخالفة، ولكنّي أودّ أن أعرض رؤية مختلفة، تستدعي التأمّل والتفكّر بنظري. 

ان من يطلب الشهرة بين الناس وفقط الشهرة من خلال أفعاله، يحصر تفكيره في رأي المخلوق ويبقى أسير رأي الناس، مما يمكن أن يذهب به شرقا أو غربا وبالتالي يفقد البوصلة والرسالة التي يودّ ايصالها، نظرا لتعدّد آراء الناس ولأن ارضاء الناس كل الناس غاية لا تُدرك. أما من يُعدّد النوايا، فينوي بفعلته اصابة شهرة وينوي أيضا الإحسان والعطاء والبذل، فهو مختلف وأحسن حالا من الأول، لأنه لا يبقى لصيق طلب رضى الناس، وانما يتطلّع أيضا الى الأخلاقيات والروحانيات.

أما النقطة الأساسية في هذا التعليق فتتمحور حول الهدف المرحلي أو البيني، والذي بدوره يُفضي الى الهدف النهائي. فوفقا للرؤية التي أعرضها هنا، الشهرة تُعتبر هدفا مرحليا، وهي وسيلة للوصول الى الهدف النهائي. فمثلا، الشيخ الذي يسعى لحصد أكبر عدد من المعجبين في مواقع التواصل الاجتماعي، هو عمليا يسعى الى الشهرة بين الناس، ولا عيب من الإقرار والمفاخرة بذلك، إذ أن مطلب الشهرة لا يُعتبر مطلبا دنيئا من الناحية الأخلاقية. ثم ان هذا الشيخ يطلب الشهرة ليحقّق غايته المنشودة التي تقف أمام ناظريه طوال الوقت، فهو لا يتوق بالنهاية الى تصفيق الجماهير ولا الى المجد ولا الى السلطة، ولكنّه يتوق الى ايصال رسالته والتأثير على الجماهير. أي أنه يستغلّ قاعدته الجماهيرية لإيصال الرسالة، ولتحقيق أهداف نبيلة وغير شخصية، فالشهرة عنده وسيلة وليست هدفا نهائيا. ان القاعدة الجماهيرية هي حلقة المُرسَل اليهم، والشيخ هنا هو المرسِل وكي تمرّ الرسالة نحتاج الى كلا الحلقتين، فلو فرضنا وجود المرسِل وانعدام المُرسَل اليه، فهل ستكون هناك فائدة مُعتبرة للرسالة؟! ان الرسالة بهذه الحالة يمكن أن تظلّ حبيسة كتاب أو مخطوطة الى أن يشاء الله لها أن تخرج الى النور، كما أنها يمكن أن تندثر.    

وفقا للرؤية المعروضة هنا، ليس هناك تعارض بين طلب الشهرة الدنيوية وإخلاص النية لله عزّ وجلّ، فالشهرة هي الوسيلة والهدف النهائي خالص لوجه الله تعالى. بل ان هناك انسجام بينهما، اذ أن من يضع نصب عينيه النية الخالصة لله عزّ وجلّ كهدف نهائي (محبة السماء)، ويطلب الشهرة الدنيوية كوسيلة (محبة الأرض)، يسعى لأن يكون شخصاً طيّبا حتى يُحبّ في الأرض والسماء. بكلمات أخرى، يمكن أن نقول أنه يطلب حبّ السماء والشهرة هناك كهدف نهائي، وهو يطلب حبّ الناس والشهرة بينهم كوسيلة للوصول الى الهدف النهائي. يقول مولانا عزّ وجلّ في حديث قدسي: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ" (محبة وشهرة في السماء + محبة وشهرة في الأرض).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق