12.4.14

الترويض الحيواني في العالم الإنساني

أثناء ركوبي في احدى الحافلات، لفتت انتباهي بنت صغيرة، تحمل حقيبتها على ظهرها وكما يبدو أنها ذاهبة الى المدرسة. كانت البنت برفقة أمها وأخيها الصغير، ورغم الصمت النسبي الذي خيّم على الحافلة، عدا الأصوات الصادرة عن المحرّك والمكيّف، كانت الفتاة مُنسجمة مع عالمها الطفولي الخاص. لقد كانت تُغنّي ما تحفظ من أغانٍ طفولية بصوت خفيض مسموع، وشفتاها وقسمات وجهها كلها تتحرّك تبعا لكلمات الأغنية، واحدى الأغاني التي عزفتها بفمها كانت: "وقال الأرنب لأمه واسمحيلي رح العب"، إلا أن أمها لم تكفّ عن وكزها لتكفّ عن غنائها. انها تعيش في عالمها الطفولي الخاص متناسية كل من حولها، انها منسابة، منسجمة، طرِبَة في طفولتها، في أغانيها، في عالمها الخاص، فلماذا هذا الحرمان؟! ولماذا يجب أن تخرج الطفلة من طفولتها نحو عالم الكبار بسرعة البرق؟! ألا يحقّ لها أن تعيش طفولتها داخل البيت وخارجه؟! لربما هي منصة تودّ أن تستغلها لتُسمع من حولها صوتها الخفيض الرقيق الناعم! لربما هي محاولة للفت الأنظار الى قدرتها والى موهبتها! لماذا تُكبت مثل هذه المواهب؟! وكيف لو أنها لم تطلب من أمها اللعب من خلال الأغنية؟!
وهكذا يُروّض الطفل والطفلة وتصير موهبتهما حبيسة ذاتهما الى أن تنقرض، كونها لم تجد البيئة التي تنمّيها، وانما على العكس وجدت صدّا واستخفافا، فهذا غناء طفولي، وهذا رسم طفولي، وتلك كلمات طفولية، وتلك ألعاب طفولية، فأين الموهبة في الموضوع؟ ثم انها مواهب طفولية تُثير خجل الكبار وتُعكّر صفو مزاجهم، فالأولى اخفائها، دحرها أو اعدامها على مسرح الحياة! وعندما يشبّ الطفل يستغرب الأهل لماذا هو منغلق على نفسه؟ لماذا يخجل من الناس؟ أين مواهبه؟ هيا بنا ندخله دورة رسم أو موسيقى أو غناء أو دبكة، أي شيء، المهم أن يكون موهوبا! آلآن وقد كَبَتّ من قبل؟! والجدة تقول: "ماله صاير هيك، مبتحركش من محله، مهو كان وهو صغير يلفّ الحارة كلها"! وتستمر محاولات انعاش الموهبة بعد أن كُبتت، تماما كما يُريد أحدهم أن تثمر شجرته بعد أن قطعها! ان انباتها من جديد ليس بمستحيل، ولكنه يحتاج الى وقت وجهد، ولو استمر في انمائها (قبل القطع) لأثمرت خلال وقت قصير نسبيا ثمرا أنضج. كذلك الموهبة، لو نُمّيت من جيل صغير ولم تُكبت، لأثمرت مبكّرا ولما احتاجت الى جهد مُبالغ فيه.

ان المواهب الطفولية يُمكن أن تظهر كبدائية وبسيطة، إلا أن المطلوب هو عدم إلقائها في مزبلة التاريخ وعدم التنكّر لها، وانما ينبغي الانضمام الى عالم الطفل (عن طريق اللعب معا، مثلا) ومحاولة فهم ما يفرحه وما يشدّه في فعله ومن ثم تطوير ذاك الفعل البدائي. على سبيل المثال، اذا كان الطفل يحبّ اللعب في الطين، فلا ينبغي توبيخ الطفل وحرمانه من هذا الفعل بحجّة أنه كَبُرَ، وانما يمكن فهم ما يجذبه في اللعب بالطين، عن طريق سؤال مثل: لماذا تحبّ اللعب في الطين؟ ومن ثم يمكن اقتراح أفعال أكثر قبولا وملاءمة اجتماعيا لجيله، مثل، النحت، التصميم والبناء وغيرها ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق