12.4.14

قصص النجاح

ان مبالغة التنمية البشرية في عرض قصص النجاح للجماهير، ساهمت في خلق مفاهيم مغلوطة وتأثيرات سلبية، على عكس الهدف المرجو منها، فتلك القصص تعرض في الغالب نجاحا فرديا لشخص كان يعيش في ظروف صعبة. الا أن اصراره واستخدامه لمفاتيح النجاح، فجّرا طاقاته الكامنة وأخرجاه في مشروع انساني خلّاق. لكن هل فكّرنا في تعريف النجاح المقصود؟! ان النجاح الذي تعرضه تلك القصص هو في الغالب نجاح فردي ومادي، وهو خارق للعادة بمعنى أن الأقلية هم من يحالفهم الحظ ليكونوا من الناجحين بالمعنى المقصود. والأسئلة التي تُطرح كثيرة في ظل هذا التعريف: هل النجاح مادي فقط؟ ماذا مع النجاح الروحاني؟ ماذا مع النجاح الفكري (أن تكون مُفكّرا حقيقيا)؟ ماذا مع النجاح الثقافي (أن تكون مثقّفا حقيقيا)؟ ماذا مع النجاح العاطفي؟ وهل النجاح الذي يهمّنا هو فردي أم جماعي أم كلاهما؟ ماذا مع النجاح الجماعي الذي يصبّ في مصلحة العائلة\البلد\الشعب\الأمة، هل له وجود في تلك القصص؟ لماذا يُصوّر النجاح أنه ملك الأقلية وأنه صعب المنال وأن النجاح في تحقيق هدف صغير (صغير في النظرة المادية، كبير بأعين صاحبه) لا يُعدّ نجاحا يستحق أن يُسطّر من خلال تلك القصص؟ واضح لنا أن مفهوم النجاح قد تأثّر من النظرة الغربية المادية، الفردية وبالتالي يمكن التفكير بأنّ الأقلية الناجحة تسعى للحفاظ على هيمنتها على النجاح، ولذا فهي تعرضه على أنه صعب المنال وأنه من اختصاص الأقلية المحظوظة وأن نجاحا صغيرا لا يُعدّ نجاحا يستحق الإعجاب والتقدير، وهذا بحد ذاته نوع من الاستعمار.
اشكال آخر مع قصص النجاح هو عرض الواقع بصورة غير واقعية، فالقارئ لقصص النجاح يخال نفسه متواجدا في عالم وردي، فينطلق متحمّسا (كتأثير قصير الأمد) ليُطبّق ما تعلّم من تلك القصة، فإذا بالواقع المُركّب يصدمه ويعاكسه ولربما يرفضه، ما يؤدي الى أن يُصاب بيأس وإحباط كبيرين (التأثير بعيد الأمد)، ذلك أن توقّعاته، أحلامه وأوهامه انطلقت من عالم يعرض الواقع بصورة غير واقعية، لتصطدم بالواقع الذي لا يعرف قصص النجاح تلك.

لماذا ندّعي أن قصص النجاح تعرض الواقع بصورة غير واقعية؟ لأنها لا تعكس تركيبة الواقع والتنويعة الموجودة داخله، فهي تعرض قصص النجاح الفردي المادي الخارق للعادة، ولا تعرض نجاحات مرحلية، كما أنها لا تعرض الجانب الآخر: الفشل! لكي تكون الصورة واقعية، ينبغي عرض قصص النجاح الى جانب قصص الفشل، فالفشل يُعلّم أكثر من النجاح، إذ أنه يدفع الى إعادة النظر والى البحث والى تحريك التفكير الإبداعي، أما النجاح فيُعرض بصورة سلبية (passive)، والمستمع لا يحتاج الى أن يُعمل عقله كثيرا وانما يكفيه أن يُقلّد ما فعله السابقون علّه يكون من اللاحقين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق