12.4.14

كبت التفكير!

ما ان ينبس الطفل كلماته الأولى وما ان يُثير علامات السؤال الأولى، حتى يصطدم بوابل من الإجابات الساذجة التي يستعملها الناس ظنّا منهم أن هذا تلائم حيوي مع سذاجة الطفل. الا أنه لدى الطفل ذكاء فطري مولود وحب استطلاع للبحث وللتجريب وللتفكير في ماهية الأشياء وفي العلاقات ما بينها وفي ما يرى حوله من ظواهر طبيعية وأخرى صناعية. الطفل يسأل: "لماذا يُصلّي بابا؟"، الأم: "لأنه اللي ما بصلّي بروح على النار!". الطفل: "لماذا يجب أن أنام مُبكّرا؟"، الأب: "الولد اللي ما بنام بدري بطلعله الغول وبوكله". الطفل: "كيف تمطر السماء؟"، الأم: "بتيجي الغيوم اللي زي الاولاد الشطورين وببلش المطر ينزل منها" أو "ربنا هو اللي بخلي الدنيا تمطر". اننا من خلال هذه الاجابات، نلحظ استخفافا بعقول الأولاد الصغار وهو استخفاف غير مقصود في الغالب، بل نابع من حسن نية كما يقولون، فما الداعي لأن نُدخل الأطفال الى تعقيدات كبيرة على عقولهم وعلى مستوى فهمهم! ويرافق هذه الإجابات، خرافات في القصص المحكية قبل النوم وخلال النهار وخرافات في أغاني الطفولة، من مثل ما يتردّد على لسان الأمهات عند تبديل الأسنان، إذ تطلب من ابنها أن يذهب الى الخارج وأن يقول للشمس: "يا شمس يا شموسة، خذي سني الذهبي واعطيني واحد ثاني".
لكنّ المشكلة الأساسية في هذه الإجابات، تكمن في أنها حاسمة وقطعية، فضلا عن كونها بعيدة عن الواقع وخرافية في أحيان أخرى، وإلا فما صحة الغول الذي سيخرج ان لم ينم الطفل مُبكّرا؟! انه أسلوب للتخويف من العقاب، وبشكل عام فإننا نرى استعمالا كبيرا للترهيب في التعامل مع الأطفال بدلا من الترغيب، أي استعمال لتهديدات (التهديد بالغول، بالنار، بالضرب...) بدلا من تشجيعات (الجنة، الحصول على جائزة ...). ان مهمة اعطاء أجوبة قريبة من الحقيقة من جهة، ومُبسّطة بشكل يتلاءم مع فهم الأطفال من جهة أخرى، هي مهمة ليست بالبسيطة، ولذا نرى الكثيرين يهربون من هذا التحدّي، ليُعطوا جوابا حاسما قاصما. انهم يُفضّلون أن يُحافظوا على صورتهم أمام الناس فلا يحرجون ولا يتلعثمون في الإجابة، ولذا يُعطون الجواب الطفولي المُستخفّ السهل: "يما ما أزكاه هلولد، بعرف يسأل عن كل شيء، حتى ليش لازم ينام بدري". الا أن هذا الحسم والقصم في الجواب يُعطّل ملكة التفكير المولودة ويترك الطفل مع أجوبة نهائية خدّاعة فيظلّ متخيّلا أن الغيوم هي بالونات طائرة، يتم وخزها بإبرة لتُسقط على رؤوسنا الماء، بدلا من أن يتمّ فتح المجال أمام الطفل لمعرفة وبحث كيفية نزول المطر، من خلال اجابة مثل: "الشمس اللي فوق البحر بتخلّي المي تسخن وتطلع لفوق علسما وهناك بتصير غيوم"، وممكن في كثير من الأحيان اضافة جملة مثل: "لما تصير زلمي كبير، راح تفهم منيح كيف بنزل المطر"، وذلك للتشجيع على مزيد من التفكير والبحث.  
ويطيب لنا أن نختتم حديثنا باقتباس من كتاب التخلّف الاجتماعي للدكتور مصطفى حجازي، حيث يقول فيه:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق