26.9.13

الرأي والرأي الواسع!


هناك آراء تحمل في طيّاتها اشارات للحصر وللقصر وللإقصاء وهي تكون نابعة في أحيان كثيرة من ضيق الفكر، فمثلا اذا أبدى أحدهم رأيا وقال: "اذا أردتَ أن تقرأ لكاتب فلا بدّ أن تتأكّد من سلامة سيرته الذاتية قبل الشروع في قراءة كتبه. ان لم تكن سيرة سليمة فلا تقترب من كتاباته"، أو، "الذين ينادون بالديمقراطية يُقدّمون حكم الشعب على حكم الله، فلذلك ينبغي الحذر منهم"، أو، "لا ينبغي اقتباس مفكّرين غربيين لأن أقوالهم ستساهم في الغزو الفكري"! وهي آراء نابعة من تفكير قالبي منحصر في مربّع ضيّق، وهي ليست ببعيدة عن طريقة التفكير التي كانت دارجة في العصور الوسطى، ولكنها مُستهجنة في عصرنا لأنه عصر انتشار العلم والمعرفة بواسطة الإنترنت، فلم يعد بالإمكان عزل أفكار الغرب عن أفكار الشرق ولا أفكار المتديّنين عن أفكار العلمانيين ولا أفكار السنة عن أفكار الشيعة ولا أفكار المذهب الحنبلي عن المذهب الشافعي!

أما الرأي الواسع فهو الرأي المُتسامح (وليس المُتخاذل) الذي يقبل الآخر ولا يُلغيه ولا يُلغي أطروحاته لمجرّد الاختلاف معه، وأمثلتنا على مثل هذا النوع من الرأي هي: "أنا أقرأ لكل كاتب وأترك لنفسي فرصة الحكم على محتوى الكتاب وعرض صورة نقدية لأفكاره"، أو، "أنا مستعد لأن أسمع من مفكّر غربي كما من مفكّر شرقي وممن اختلف معهم في الرأي". ان المجموعة الأولى من الآراء تحمل في طيّاتها فرضيات لم تثبت صحّتها، ولذلك فهي تُساهم في تضييق المجال الحياتي دونما تبرير منطقي، ولذلك ينبغي مجابهة مثل هذه الآراء من خلال المسائلة السقراطية مثلا، والتي من خلالها يبان للمدّعي بصورة غير مباشرة ضعف رأيه، مما يدفعه الى البحث عن رأي أوسع من ذاك الذي اختاره لنفسه أو فُرض عليه دونما ادراك للبدائل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق