26.9.13

الحياة الطيبة


لا ينبغي التحدّث عن الحياة الدنيوية الطيبة دون التطرّق الى مُعضلة الشرّ، لأنه ان تجاهلناها فستخرّ كلماتنا الوعظية بسرعة البرق وعلى أيدي أبسط الناس، فإن راح الواعظ يشرح قوله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"، دون بيان معنى الحياة الطيبة، فستباغته أسئلة مثل: نبي الله أيوب قد ذاق الويلات في حياته، فأين الحياة الطيبة؟ ومن ثم فالرسل هم أكثر من تعرّضوا للمُضايقات وللتنكيل على أيدي أقوامهم، فأين الحياة الطيبة؟ والآف الصالحين يذهبون بعروى الطالحين، فأين الحياة الطيبة؟

والأسئلة هذه ناجمة عن الهرب من مناقشة معنى الحياة الطيبة وعرضها بصورتها الساذجة وبدون شرح أو بيان، فأغلب الناس يتوقّعون أن تكون الحياة الطيبة حياة رغيدة، مثلها كمثل جنة الله على الأرض، لا قلق فيها ولا صعوبات، ولكن الواقع غير ذلك، فالصالح مُعرّض للصعوبات وللمصائب كما الطالح، فهذه سنة الله في عباده، والشرّ (الذي يبدو شرا لأول وهلة) الذي يصيب الصالح سيكون لصالحه وهو بذلك سيكون خيرا، لأنه لربما يحمل له نتائج طيبة بعيدة الأمد، أو تطهير من ذنوب، أو دفع لشر أكبر عنه، وهذا ما يمكن فهمه من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، فالشر الذي يبدو شرا لأول وهلة، سيصبح خيرا ان فهم الانسان المؤمن أن أمره كله خير. 

ان مُعضلة الشر استعصت على كبار الفلاسفة، اذ كان صعبا عليهم أن يُوافقوا بين إله قادر عليم رحيم، وبين وجود الشر في هذا العالم، والشر يشمل الكوارث الطبيعية، الحروبات، الأمراض وغيرها، والتي يعاني منها كثير من البشر وتنتهي حياة آخرون جرّائها، فكيف لإله رحيم أن يسمح بوجود الشر في هذا العالم؟! لكن المؤمن يستطيع التوفيق بين الحقيقتين بسهولة، فالشر الذي يبدو شرّا لأول وهلة، هو خير في نهاية المطاف، فالحكمة الإلهية من هذا الشر غير جليّة لنا في أحيان كثيرة، ولكننا نؤمن أنه سيكون لصالحنا، فلربما هو مطهرة من ذنوب أو ذكرى وغير ذلك، وهو بهذا المعنى خير! ولما كان الايمان يزيد وينقص، وجب عرض معنى الحياة الطيبة مع التطرّق لمعضلة الشر، وبذلك تُغلق السُبُل أمام الشكوك التي من شأنها أن تُزعزع ايمان الفرد! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق