6.5.14

الكلام المعسول


هناك اطراءات يستعملها الناس تعكس تصفيقا حارا للشخص أو للشيء المراد مدحه ليس أكثر! أحيانا عندما يُقال لأحدهم: "أنت مبدع، أنت بطل، أنت متميّز، أنت عظيم"، وعندما يصف أحدهم مؤسسة معينة فيقول: "مؤسسة سبّاقة في عمل الخير، رائدة في كل ما تعمل، لا تكلّ ولا تملّ، نبراس للأمم"، وعندما يكتب المدرّس للطالب: "تقدّمه العام ممتاز. أرجو له دوام التقدّم والنجاح". مثل هذه الكلمات يمكن أن تُقال لفلان ولعلّان ولو استبدلت اسما مكان آخر لما استطعت التمييز، والمثال الأخير يُستعمل منذ فجر تاريخ الشهادات المدرسية كما يبدو وهو موحّد لجميع الطلاب الممتازين. ذلك يرمز الى أن مثل هذه الكلمات تُقال أحيانا كثيرة بعفوية وبتكرار "ببغاوي" دون امعان النظر في مدى ملائمتها للمراد مدحه! فهي لا تنبع من تفكير عقلاني ولا من عاطفة صادقة، وهي تُشبه ما يتلفّظه الناس من عبارات دارجة، كمثل ما يُقال للتعبير عن الترحاب: "تفضّل عنّا"! هل تقصد فعلا ما تقول؟! ولو تفضّل الشخص لأُحرجتَ ولاتهمتّه بقلّة الذوق! من دعاه؟!

"أنت أفضل رئيس في تاريخ البلد، عملك الدؤوب وجهودك المتفانية لا نجدها عند غيرك" - كلمات شاعرية قيلت في حضرة كل رئيس. هل فعلا نقصد ما نقول؟! لكي يكون الاطراء صادقا ينبغي أن ينبع من واحد من مصدرين على الأقل: تفكير عقلاني أو عاطفة صادقة (أو كلاهما). التفكير العقلاني يدفعك الى اعادة النظر في ما تقول لتسأل نفسك: هل هو فعلا أفضل رئيس في تاريخ البلد؟ ما هي الأدلة على ذلك؟ هل قولي ينبع من دراسة مُقارِنَة؟ أم هو مجرّد "زت حكي"؟ هل الشخص الذي أمامي هو مبدع بحقّ؟ ماذا يعني الابداع؟ هل هو بطل؟ ماذا تعني البطولة؟ هل تقدم الطالب ممتاز فعلا؟ هل تقدّمه ينبني فقط على علاماته؟ ماذا عن قدراته الاجتماعية، هل تقدمه فيها ممتاز أيضا؟ انها الأسئلة التي تُؤسّس لإطراء أكثر قُربا من الشخص أو الشيء المراد مدحه، وعندها يمكن التمييز بين اطراء وآخر، وذلك يعود بالفائدة على المادح والممدوح، فالمادح يُعمل عقله ويعكس تفكيره الحقيقي، والممدوح يأخذ صورة أوضح عن حاله ولا يبقى مخدوعا عبر الاطراءات التي أكل عليها الدهر وشرب. ثم ان هذا الاطراء المؤسّس يُساهم في فتح المجال للنقد ولا يجتثّه من جذوره كما في حال الاطراءات الشاعرية التي تعوّدنا عليها.     

أحيانا ينبع الاطراء من عاطفة جيّاشة، فأنت مُعجب بفنان أو بكاتب معين وذلك يولّد داخلك أحاسيسا وعواطفا تريد أن تُعبّر عن نفسها. لكن علينا أن نحذر هنا من مطبّ المبالغة ومن العاطفة الغير صادقة، كأن تُحاول اقناع نفسك بحبّك لمُشغّلك أو لرئيسك ولذا تُصرّح باطراءات شاعرية تفوح منها رائحة المُبالغة، لتكفّر عن ذنبك الداخلي وعن النقطة السوداء في قلبك تجاه ذلك المسؤول. ثم عند أول منحنى أو عند أول مشكلة تتكشّف العواطف الصادقة (الكراهية الدفينة). لذا ينبغي أن يسأل الواحد نفسه: هل فعلا هذا ما أحسّ تجاه الشخص أو تجاه الشيء؟! هل أنا صادق مع نفسي ومع الآخر؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق