6.5.14

المجتمع الذي لا يرحم


اذا نظرنا الى مجتمعنا، أدركنا مدى القسوة التي نُبديها في أحيان كثيرة تجاه الضحية! نعدم حسّنا الانساني ونستبدله بتذنيب واحتقار وهجران، ونُطلق المُسوّغات والحجج الواهية لكي نبرّر قسوتنا! نعكس الحقائق لكي تصير الضحية مجرمة وجانية! وليس انعدام الرحمة هذا موجّها بشكل حصري الى الإناث، ولكنه يطال الذكور أيضا، رغم أنه بارز أكثر في حال الإناث، مما ينسجم مع المجتمع الذي ما زال يُبرز اضطهاده ضد المرأة. فالمرأة المُطلّقة تعاني من مجتمعها أكثر من طليقها، إذ أن المجتمع يتّهمها بالسّر وبالعلن وينسى زوجها، ينعتها بأنها امرأة غير صالحة، لا تصلح للزواج، عاصية لزوجها، ويُغلق أمامها باب الزواج لتبقى حبيسة بيت أمها وأبيها. لربما كانت هي المظلومة! لربما كان زوجها يضربها جهارا نهارا! لربما كان زوجها لا يُطاق! لربما كانت المشكلة نابعة من الطرفين! لماذا تتحمّل المرأة الضحية أعباءً ليست هي المسؤولة عنها؟! لماذا يُعذّبها المجتمع فوق ما عذّبها طليقها؟!

والمريض يُعاني من مجتمعه أكثر مما يعاني من مرضه، وهذا يصحّ في حال المرض الجسدي والنفسي، وهو أشد بروزا في حال المرض النفسي. فلو دري المجتمع أن أحدهم يعاني من مرض جسدي مزمن، لصاروا ينظرون إليه بأعين الشفقة في أحسن الأحوال، ويتفادونه أو يتغاضون عنه أو يسخرون منه في أحوال أخرى. أيستحق من يعاني من مرضه، أن يعاني من مجتمعه أيضا؟! لماذا نُذيقه عذاب الضّعف في الحياة الدنيا؟! والانسان الذي يعاني من مرض نفسي، يتم تشطيب اسمه من قائمة بني البشر، وتُبذل الجهود الحثيثة لتفاديه ولتفادي أي احتكاك بسيط معه، ليحصل بذلك على النعت الذي يشلّ أمله شلّا ويقذفه قذفا من مجتمعه دون أمل بعودة، انه "مجنون"! أليس هذا المريض أيضا يعاني من مرضه؟! ان احتمالات الشفاء ورادة والعلاجات موجودة (أيضا للأمراض النفسية)، فلماذا نحمّله معاناة غير مُبرّرة، ولماذا نقذفه قذفا من بيننا؟! لماذا عليه أن يعاني من داخله وخارجه؟! لماذا عليه أن يعاني كِفليْن؟! ان وصمة العار التي نطبعها على الضحية هي وصمة عار بحد ذاتها، اذ أننا نتنكّر لأبسط الأحاسيس الإنسانية! انه ينبغي أن نستبدل هذه القسوة بالرحمة، وان لم نرحم فعلى الأقل أن نكفّ أذانا عن الضحية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق