6.5.14

المخاض


ان الأمة العربية والاسلامية تمر بأحداث عصيبة وسنين عجاف، يصعب على العاقل أن يفلت من وطأة تأثيرها أو أن يتجاهلها. الا أن بعد العسر يسرا، فهذا وعد من الخالق! والشدّة لا يمكن أن تدوم، لأن دوام الحال من المحال! ولذا علينا أن نكون واعين لأن ما تمرّ به الأمة العربية اليوم هو أشبه بالمخاض. الأمة العربية سبتت طويلا وخفت حسّها سنينا وكنا نتمنّى لو تستيقظ، لو تغضب، لو تقول "كفى!". لقد مرّت عليها سنون رضخت فيها للاستعمار الذي يُروّض المُستَعمَر ويجعله "حيوانا أليفا طيّعا"، حتى جاءت نقطة الصحوة، نقطة الانطلاق، نقطة الثورة، نقطة النهوض، نقطة بداية النهضة. لقد كانت الأمة العربية في هذه الفترة كالأم ما قبل مخاض الولادة، فصحيح أنها كانت تتألّم من فترة الى أخرى، ولكنها كانت تُحاول أن تتناسى هذه الآلام لتتعايش مع الوضع الموجود، ولكن حين وصل الألم الى الذروة ولم يعد يُطاق، أعلنت الأم دخولها مرحلة المخاض، وكذا الأمة العربية حين ثارت وبدأت تصحو، أعلنت أنها دخلت هذه الفترة الحرجة المؤلمة والمُبشّرة بالخير في نفس الوقت. 

فترة المخاض هذه ليست بالفترة الهينة، ففيها آلام وفيها تضحيات، فكما أن الأم تُضحّي بروحها، بجسدها وبقلبها لتمنح الحياة، فكذا ستكون هناك تضحيات انسانية وغير انسانية في سبيل الوصول الى حياة أفضل وعيش كريم، في سبيل منح الحياة الأفضل للآخرين وللخَلَف. ويمكن أن تطول هذه الفترة في نظرنا، لأننا ننتظر النتيجة بكل ترقّب، وعيوننا تكاد لا تغفل عن اليسر المنتظر. ويمكن أن تطول حقيقة (رغم قصرها في ميزان الزمان)، فالتغيير لا يأتي بيوم وليلة وانما قضت سنة الكون أن لا يتم التمكين حتى يحدث الابتلاء، وفي هذا قانون سببي جلي، فلكي تكون مهيأً وأهلا للتمكين، عليك أن تكون قد تخطّيت الصعاب والمخاضات وأثبتّ كفاءتك وجدارتك. ان الأمة العربية والاسلامية على حالها اليوم تكاد لا تستحقّ النصر ولا التمكين لما فيها من انحرافات عن طريق بناء الحضارة، ولذا فإن كل ما يمرّ على الأمة هو عمليا لمصلحتها، فكل هذا يهدف الى زعزعتها، ايقاظها، تدريبها وافهامها أن التحدّي المنتظر للنهوض كبير وأنه يحتاج الى جدّ وعمل. ذلك يشبه ما تمر به الأم من عناء وآلام، ليفهم الوالدين وكل البشر أن هذه الروح غالية ولذا يجب صيانتها وتربيتها أحسن تربية. انه ابتلاء للأم ما قبل تمكينها (ابتلاء بالآلام والمخاض قبل التمكين عبر بناء الأسرة). أما الثمرة المنتظرة، النتيجة المرجوّة، اليسر المرتقب فهو حياة كريمة، فالمولود هو الحياة وأمه تمنحه الحياة الكريمة عبر توفير الحاجات الضرورية له من مأكل ومشرب وملبس ومأوى ومأمن. كذلك النتيجة التي تتبع المخاضات في حال الأمة: حياة كريمة تضمن للإنسان حقوقه الطبيعية (التي وُلد معها واليها).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق