6.5.14

الانسياق (Conformity)


كثير من الناس ينساقون مع رأي الأغلبية ويكتمون رأيهم المُختلف أو يقمعونه أو يُقنعون أنفسهم أن رأيهم موافق لرأي الأغلبية، وهذا نوع من أنواع الانسياق أو الامتثال (بالإنجليزية: كونفورمتي). الانسياق يشمل تغييرا في سلوك أو معتقدات الفرد تبعا لمعايير وقوانين المجموعة أو المجتمع. لكنّ هذا الانسياق ليس حتما أن يكون سلبيا، بمعنى أن الانسياق غير مساوٍ للخضوع أو للخنوع، وانما يمكن أن يكون الانسان مقتنعا فعلا برأي الأغلبية، ولذا فهو يسمح للتأثير المجتمعي أن يطاله عن رضى واستحباب، لأنه في النهاية سيصبّ في مصلحة الفرد الذي سيتكيّف مع بيئته ويندمج في مجتمعه، وفي مصلحة المجتمع الذي ستقوى روابطه. ان الجانب السلبي من الانسياق هو ما وصفناه في الجملة الأولى من هذا المقال، اذ يكون للفرد رأيا آخر ولكنّه لا يُبديه، خوفا من ردّة فعل الأغلبية وكي لا يظهر اختلافه في المجموعة.  

فلو رأى نفعا تمّ التغاضي عنه أو ضررا تمّ الوقوع فيه، لما كفّل نفسه عناء اقناع الآخرين بجدوى رأيه المُختلف، ولفضّل قرار المجموعة الحالي على ادخال رأي جديد ونقاش مُضنٍ، منساقا بذلك مع المثل الشعبي: "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس". ان الانسان يحبّ أن يندمج مع المجموعة ولو كان ذلك على حساب تنازلات، فللمجوعة أفضلياتها وميّزاتها، ولكنّ كثيرين يفكّرون أنهم اذا خرجوا عن رأي الأغلبية فسيصيرون حتما منبوذين أو مرفوضين أو مُضطهدين وليس هذا صحيحا! إذ يمكن أن يُدلي الانسان برأيه المُختلف ويحاول اقناع الآخرين به، واذا لم يتمّ أخذه فهذا لا يعني أنه تم اخراج الانسان من المجموعة، فخلاف الرأي لا ينبغي أن يُفسد للودّ قضية! هذا الخوف المُبالغ به من ردّة فعل الأغلبية يعكس خوفا أعمق وهو خوف من الرفض، اذ أن الانسان يأمل القبول ويمقت رفض الآخرين اياه، وذلك ما يمكن أن يُغذّي حاجاته الاجتماعية.

ثم ان ابداء الرأي المُختلف يُظهر الفرد مختلفا وربما شاذّا عن المجموعة، مما يضعه في المركز ويُسلّط عليه الأضواء، كي يشرح رأيه ويحاول اقناع الآخرين بأفضليته، هذا في حال كانت المجموعة فضولية لسماع وفهم الرأي المُختلف. أما في حالات أخرى، فيمكن أن تتجاهل المجموعة صاحب الرأي المختلف وتُعيد الحديث الى حيّز الأغلبية. في حالة كون المجموعة فضولية، فإن صاحب الرأي المختلف يحتاج الى بذل طاقات أكبر من الباقين من أجل شرح الرأي أو الموقف المُختلف واقناع المجموعة، علاوة على القدرة على التواجد في المركز أمام المجموعة. إلا أنه علينا أن نحذر من أن نستغلّ هذا المركز لغايات وأغراض شخصية، كأن نُعارض أو نبدي رأيا مختلفا، فقط لنبرز ولتتجّه الأضواء نحونا وليس لأننا مؤمنون بما نقول.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق