6.5.14

حرية الاختيار


كلمة إكراه هي مصدر الفعل أَكْرَه، وتعني: "استخدام الضَّغط أو القوَّة استخدامًا غير مشروع أو غير مطابق للفقه أو للقانون للتَّأثير على إرادة فرد ما" (معجم اللغة العربية المعاصر). هذه الكلمة تنحدر من الجذر "ك، ر، هـ"، وهو نفس الجذر الذي تنحدر منه كلمتا كراهية وكُرْه، وفي هذا ايحاء بتقارب المعاني، فهل النفس تطيق الإكراه أم انها تكرهه وتتقيّئه لثقله عليها؟ 

الإكراه لا يمكن أن يأتي بخير، لأنه يتعارض ويمسّ بحرية الانسان التي وُلدت معه، فالله خلق الانسان حرّا وترك له حرية الاختيار. الله خلق الانسان ولم يُجبره على أن يؤمن به أو أن يكفر، أن يُصلّي له أو لا، أن يسبّح بحمده أو لا، أن يصوم له أو لا، أن يحجّ له أو لا، أن يعمل الخير أو الشرّ. لكن الخالق جلّ وعلا أعطاه كل الإمكانيات وبسطها أمام ناظريه ليختار، فهذا طريق الحقّ الواسع وتلك طرق الضلال، الأول جزاؤه الجنة والأخرى عقابها النار. اذاً لا إكراه، فأنت يمكنك أن تختار ما تشاء، لكن عليك أن تفهم جيّدا أن النتيجة ستكون وفقا لاختياراتك. يقول الله عزّ وجل في كتابه العزيز: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99). ويقول في آية أخرى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (هود، 118+119).

الانسان حرٌ باختياراته من جهة، وهو مسؤول عنها من جهة أخرى. ولكي لا يُخدع هذا المخلوق الضعيف أمام عظمة الكون، ولكي لا يُغفّل ولكي لا يقول لم أكن أدري، بعث الله رسالاته الى الناس ولم يمنع العناية الآلهية عنهم، علّهم لا يضيعوا وعلّهم لا يفقدوا البوصلة. ان وضوح المعادلة (معادلة الجزاء والعقاب) ينبغي أن يؤثّر على اختيارات الفرد، وهذا التأثير لا يُلغي امكانية الاختيار، فبالرغم منه يمكن أن يختار الانسان أن يكفر بهذه المعادلة، أن يكفر بوجود الإله وبوجود الجنة والنار ولكن عليه أن يتحمّل مسؤولية اختياراته. ولو لم نكن أحرارا في اختياراتنا، فهل من العدل أن نُحاسب على ما لم نختر؟! هل من العدل أن يُفرض علينا شيء ونُحاسب عليه؟!

الا أن بعض البشر يريدون حرمان الناس من حرية الاختيار، يُكرهونهم ويودّون لو يتبعون خيارات أسيادهم، دون تفكير أو بحث أو نقاش. فكما أن الكنيسة قطعت رأس كل مارق تجرّأ على مخالفة أمر من أمور الدين، كذلك هناك من المسلمين اليوم من ينتهجون نفس النهج، فيقمعون رغبة الاطّلاع والبحث والتفكير، ينبذون من يخالف في مسألة فقهية، ويكرهون بناتهم على لبس الحجاب. وهناك ما يُفرض بصورة خفية وغير مباشرة، من مثل دين الآباء والأجداد، الأفكار المُسبقة، الشخصية وكل ما يتشرّبه الانسان من أفكار من بيئته أثناء طفولته. ان تأثير هذه الأشياء يكاد يكون مفروغا منه، ولكن على الآباء توعية الأبناء بوجود هذا التأثير وبإمكانية الاختيار، رغما عن هذه التأثيرات التي لا مفرّ منها. ولنتذكر أن الله قد تركنا أحرارا في اختياراتنا، فكيف نُكْره بعضنا بعضا ونحرم بعضنا حرية الاختيار؟!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق