19.5.14

المواجهة


لا أُخفي ميلي وتشجيعي للمواجهة الكلامية التي تراعي حدود الأدب، ولربما الكلمة الأقرب في السياق الانساني هي المصارحة أو المفاتحة. الا أن المواجهة لا تنحصر في السياق الانساني، وانما تدخل في ما وراء ذلك، فالإنسان يمكن أن يواجه مشكلة، أو يواجه تحدّيا أو صعوبة. ان مواجهة الشخص، الرأي، المشكلة، بدلا من الهروب والانسحاب والتقهقر الى الوراء، تنمّ عن قوة وقدرة وتُفضي الى حلول أفضل من التي تُفضي اليها طرق الهرب واللف والدوران. في السياق الانساني، اذا صارحت شخصا بما تحسّه تجاهه، أو بعيب لمسته عنده، أفضل لك وله من أن تنشر الكلام عنه للآخرين، واقعا بذلك في الغيبة والنميمة وربما يُدخلك ذلك الى مشاكل مع الشخص المُستغاب، اذا وصل الكلام بعد تضخيم وتحريف الى أذنيه. ثم انك ان صارحت الشخص، أحسنت معه، اذ لفتّ انتباهه الى ما كان غافلا عنه، أو أكّدت أو نفيت تفكيرا يفكّره عن نفسه، وبكل الأحوال فقد أهديته نظرة على نفسه من الخارج، وأيضا أحسنت مع نفسك، اذ وفّرت عليها الوقوع في الغيبة والنميمة وخلق مشاكل لها أول ما لها آخر، ومن جهة أخرى، مرّرت رسالتك الى الشخص المقصود بسلام وأمان دون أن يتم تحريفها أو تضخيمها.

وعند مواجهة مشكلة، صعوبة أو تحدّي، فإنك تعدّ ضباط التفكير وجنود السعي، مفكّرا، باحثا عن حلّ وعن سبيل للوصول الى المراد. في هذه الحالة، أنت متركّز في الهدف وكل طاقاتك موجهة اليه والى كل ما يؤدّي اليه، أما حين تُفكّر في الهرب من المواجهة، فإنك على العكس، تُفكّر في كيفية الخروج والفرار والنكوص. انك تفكّر في هذه الحالة بالتراجع والتقهقر بدلا من التقدّم، وكل طاقاتك تكون موجّهة الى كيفية الخروج والى كيفية الامتناع، بدلا من أن تكون موجهة الى مواجهة المطبّ للوصول الى الهدف. مع ذلك، فهناك حالات تستدعي العَدْل (الامتناع) عن المواجهة، كأن يعرف الانسان، أن لا طاقة له بالمشكلة التي تقف أمامه، أو التحدّي الذي ينتظره، وعندها يُفضّل الانسحاب كي لا يستمرّ في اهدار مزيد من الطاقة في ما لا يُرجى اصابته. أو أن يدرك أنه في الطريق الخاطئ وبالتالي يكون المطبّ محفّزا لإعادة النظر في جدوى المسلك. أو أن يُفضّل الانسان عدم المواجهة، لئلا تولد مشكلة أكبر، كأن يختصر الانسان الكلام مع شخص لا يمكنه أن يتحدّث بهدوء، تفاديا لخلافات ونزاعات محتومة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق