19.5.14

هل هناك مفهوم ضمنا ؟!


حدث معي أثناء تحضّري لعرض أمام جمهور من الأخصائيين النفسيين، أن صادفت أخصائية نفسية من كبار الإخصائيين، واذا بها تعتذر لي كونها لن تحضر العرض. أجبتها بعفوية ممزوجة بقليل من تفكير: خسارة أنك لن تحضري، أعتقد أنك لو حضرت لأضفت ملاحظاتك الهامة. واذا بها تقول بكل هدوء: ليس حتما!

جوابها المقتضب هذا، أوقد فيّ أفكارا لم يُؤذن لها بالخروج من ذي قبل. انّ ردّي كان بمثابة ردّ مُتعارف عليه بين الناس، وكثير منا يُطلق مثل هذه الردود والأقوال المتردّدة على الألسن، دون امعان النظر في معناها، كون الآذان قد ألفتها واستساغتها قبل أن تعيها العقول. فهل فعلا خسرتُ كونها لن تحضر؟! هل حضورها كان سيُضيف فعلا؟!

هل كل بشر هو انسان؟ هل يرتاح كل من ينام؟ هل يستطيع كل شخص سليم في بدنه أن يخرج من البيت؟ الجواب على هذه الأسئلة كذلك: ليس حتما! فيمكن أن يكون هناك كائن بشري، منفصل تمام الانفصال عن انسانيته على أثر تصرّفاته البشعة. ويمكن أن يكون هناك آخر يعاني من اضطرابات في النوم وبالنسبة له النوم هو طامّة الحياة الكبرى. ويمكن أن يكون هناك شخص معافىً في بدنه، الا أنه في أشدّ لحظات الاكتئاب وهو لا يقوى على النهوض من السرير لتردّي حالته النفسية. ولنا أن نسأل: هل هناك مفهوم ضمنا؟! أم أننا نحتاج الى فهم المفهوم ضمنا من جديد؟ انه يجب علينا أن لا نُخرِج من دائرة امعان النظر أكثر الأمور مفهومة لنا (كما نظنّ)، وانما أن نمعن النظر حتى في الأمور التي اعتدنا عليها والتي تُرافقنا في حياتنا اليومية، إذ أن الحكمة تكون مختبئة داخلها في أحيان كثيرة، ولأننا ألفناها منذ الصغر واعتدنا عليها، لم نُعطها حقّها من التأمّل والتفكّر المتقدّم الذي يبلغ ذروته في جيل الشباب. الطبيعة التي ألفناها، المسكن الذي اعتدنا عليه، غرفة النوم، السرير، الأمثال الشعبية التي سمعناها، الأفكار التي تشرّبناها، التراث، كلها يجب أن تكون داخلة في دائرة امعان النظر والتأمل والتفكّر. ولهذا فإن ديننا يدعونا الى التفكّر على الدّوام: "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ" {يونس:101}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق