22.2.14

الجيل الصاعد !

لطالما صوّروا لنا أن الجيل الصاعد هو جيل واهن، فتعابير عامية مثل: "جيل مايع"، "جيل مايص"، "اذا بتزقّ واحد منهم بقع"، ليست غريبة علينا! ولطالما صوّروا لنا هذا الجيل أنه جيل فاسد، فهو جيل الآيفون وجيل الدردشات، جيل بلا أخلاق، فاقد للقيم وللعادات والتقاليد! لكن اذا نظرنا نظرة عبر السنين الأخيرة فإننا نرى العكس تماما أو على الأقل فإننا نرى دالة تصاعدية بعكس ما يُفترى به أن الوضع في تدهور مستمر. واني لأظن أن مرجع هذا التباين في الرؤية الى صراع الأجيال، فكل جيل يسعى الى ابراز بطولاته والى ابراز تفوّقه على الجيل الجديد وذلك يتطلّب أحيانا التغاضي عن محاسن الجيل الصاعد، ليُقنع الجيل الكبير نفسه أنه أفضل جيل وبذلك يسعى الى أن يعيش بسلام مع الواقع. لكي يشعر الكبير أنه لم يخسر شيئا مهما في هذه الحياة، يدفعه ذلك الى أن يصف الحاسوب بالآلة المُفسدة التي لا خير فيها، والى أن يصف الآيفون بأساس المفاسد وهكذا!
 
هذا الجيل الذي تقولون عنه "مايع" و "مايص"، يملك طاقات جسدية، نفسية وروحية تحتاج الى توجيه، بدلا من التنكّر لوجودها. هذا الجيل اذا ما غضب فإنه لا يكبت غضبه في الغالب، وهو جيل مناضل، لا يتنازل عن حقوقه، ومستعدّ لأن يُقيم الدنيا ويُقعدها ليأخذ حقّه المسلوب. هذا الجيل يتساءل بحيرة وبصدق: "لماذا عجز الآباء والأجداد عن استرداد الأرض؟! لماذا عجزوا عن الوقوف في وجه المحتلّ؟! لماذا لم يرفضوا العنصرية تجاههم ولماذا لم يُطالبوا بحقوقهم؟! لماذا لم يتكلّموا؟!". هذا الجيل يحطّم حواجز الصمت ولا يعرف السكوت أو السكون. هذا الجيل هو الذي حرّك الثورات في العالم العربي وهو الذي سيحرّكها في بقية أرجاء الوطن. هذا الجيل لا يخاف من أن يُعبّر عن ما في داخله، اما من خلال مظاهرة، أو من خلال كوفية، أو من خلال جارزة، أو حتى من خلال إسواره مكتوب عليها تعابير نضالية، أو من خلال الفيسبوك الذي لا يطيقه الكبار!

هذا الجيل "الفاسد" هو الذي بنى المساجد وهو الذي لا يهاب من أن يقول: "الله أكبر ولله الحمد"، وهو الذي يحاول احياء تراثه الديني الذي اندثر لفترة من الزمن. هذا هو جيل الصحوة الدينية والذي تقولون عنه أنه فاسد! هذا هو الجيل الذي اختار العلم واختار احياء التراث واختار التقدّم. وان رأينا بعض الشباب المُغيّب، فهؤلاء هم القلّة، ومن ثم فإن انحراف أحدهم في مجال واحد لا يعني انحرافه في بقية المجالات، فكم من شاب انحرف عن دينه، ولكنه أسد في ساح الوطنية! وكذلك، فإن الذي يكون مُغيّبا لفترة من الزمن، فإن هذا لا يعني دوام التغييب، فكم من شاب اهتدى الى الرشد بعد أن أغرته الأهواء! وهذا التغييب وذاك الانحراف لم ينبعا من فراغ، فالمجتمع هو الذي ساهم في هذا التغييب، واذا كان الجيل السابق قد ربّى الجيل الصاعد بصورة ساذجة، عفوية، لا تنبع من رؤية مستقبلية، فلا شكّ أن هذا ساهم أيضا في ضياع بعض القيم وبعض التقاليد والعادات الحسنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق