22.2.14

تجديد الفكر الديني


ظروف الحياة المتغيّرة تكاد تكون معروفة للجميع. ابن التسعين يُقارن بين الظروف المعيشية التي كانت سائدة في ريعان شبابه وبين ظروف اليوم، فيصرّح: "الله على أيام زمان"! زمان؟ هل انقلبت الحياة خلال سبعين عاما؟! لكنّ هذا التصريح على بساطته، يُعبّر عن احساس داخلي بتغيير كبير في ظروف الزمان، ولنا أن نتخيّل ما كان قبل سبعين عاما وما نحن عليه اليوم، فهل كان هناك حاسوب قبل سبعين عاما؟ هل كانت هناك كهرباء أصلا؟ هل كانت هناك ثلاجة؟ غسالة؟ تلفاز؟ هل كان هناك انترنت؟ هل كانت هناك أجهزة السمارتفون؟ هل تمكّنوا من الاتصال بآخر العالم بالصوت والصورة ومن دون أن يدفعوا شاقلا واحدا (عبر السكايب)؟ هل شاهدوا ما يحدث في العالم كله وهم جالسون في البيت؟ هل طلبوا منتجات من دول الشرق الأقصى من خلال كبسة زر؟

ان هذه التغيرات التي حدثت خلال سبعين عاما، ما هي الا مرآة للتغييرات التي تحدث في ظروف الحياة المعيشية طوال الوقت، فما استمرت الحياة، استمرت التغييرات والتطوّرات، واذا كان هذا التغيير قد حدث في سبعين عاما، فكيف بالتغييرات التي مرّت على الانسانية منذ أكثر من ثلاث أو أربع قرون الى يومنا هذا؟ هل يُعقل أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول: "ان فحول الأمة قد قدّموا لنا كل ما نحتاج اليه من علوم، فلا حاجة الى مزيد من البحث في علوم الفقه والحديث، ولا حاجة الى مزيد من تطوير علوم الطب والكيمياء والفيزياء"؟ واذا تركّزنا في الفكر الديني نظرا للجمود الذي أصابه بشكل خاص، فهل يُعقل أن نقول: "ان سلف الأمة قد فهموا هذا الدين فأحسنوا فهمه، فلا حاجة الى مزيد من الاجتهادات ولنُغلق باب الاجتهاد حرصا على هذا الدين من القاصرين في العلم". المسألة ليست مسألة أنهم هم أحسن منا أو أفقه منا أو أعلم منا ولذا لا ينبغي علينا أن نتكلّم في حضرة فهمهم واجتهاداتهم، ولكنها مسألة تغيّر الزمان والظروف المعيشية، فلو فرضنا أن علماء الأمة اليوم أعجز من السلف أو أقل منهم علما (وليست هذه هي المسألة المهمة، ولكن تماشيا مع منطقهم)، فإن ذلك لا ينفي الحاجة ولا يُلغيها الى أننا نحتاج الى تجديد، تعديل، تطوير وملائمة الفكر الديني للظروف المعيشية المتغيّرة.

ابن تيمية على جلالة قدره، عاش من 1263 الى 1328م، فهل يُعقل أن نجمد على فكره؟ هل يرضى هو ذاته أن نأخذ كلامه فنقدّسه ومن ثم لا نعيد النظر فيه؟ تلميذه ابن القيم رحمه الله عاش في نفس الفترة تقريبا. الإمام الشافعي عاش من 767 الى 820م، الإمام أحمد من 780 الى 855م، الإمام مالك من 711 الى 795م، الإمام أبو حنيفة من 699 الى 767م، وغيرهم من الأئمة العظام. ان هؤلاء الأئمة الأجلاء قد سطّروا أفهامهم واجتهاداتهم في مجلدات كثيرة، وهي أفهام بشرية واجتهادات منذ أكثر من 1200 عاما في حال الأئمة الأربعة! وأكثر من 700 عاما في حال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم! هل جمد الزمان منذ ذاك الوقت؟ لا وألف لا! فلماذا يجب أن نُجمّد الفكر الديني اذا؟! انه ينبغي عدم الجمود على هذه الأفهام والاجتهادات التي جاءتنا منذ زمن بعيد، كما أنه لا ينبغي التنكّر لها والقائها جانبا، وانما الصواب أن يتم بحثها ومراجعتها والانطلاق منها الى تطوير الفكر الديني والدخول في مسائل العصر التي لم تكن موجودة في ذاك الوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق