22.2.14

كيسا طحين ...


في الغالب، عندما أصحو من النوم، أبقى مستغرقا بالتفكير في برنامج اليوم، حتى أثناء تحضير فطور الصباح، فالطريق من الفراش الى المطبخ هي نفس الطريق، وكأس النسكافيه هو ذاته وطاولة الأكل نفسها، ويستمر ذلك الشرود الى أن يلفت انتباهي شيء جديد، ليساهم في كسر الروتين، وبالطبع أحيانا يكون كسرا محمودا وأحيانا يكون مذموما. في ذاك الصباح بالذات، ما لفت انتباهي هو كيسا طحين! نعم كيسا طحين! وليس المُلفت فيهما ذاتهما، ولكن وجودهما في مكان مشبوه، في مقام غير مقامهما المُعتاد، فجدّتي أم عطا ليست هناك ورغم ذلك هناك طحين! والتنور الذي يلتهب فيه الحطب غير موجود، ولكنهما موجودان! انهما موجودان في المدرسة! يا إلهي هل سيحضّر المدير للمعلّمين باقة من مناقيش الزعتر؟! لا، إنه سيفتضح ان فعل، فهو لا يعرف كيف يُقطّع حبة بندورة! ومن ثم فلم يكن موجودا في ذلك اليوم ولا أي واحد من الطاقم المدرسي! ماذا؟! هل احتُلت المدرسة؟! لا، ولكن هي دروس اضافية يتلقّاها الطلاب، لا تستدعي تواجد الطاقم المدرسي.

ما هي وظيفة كيسي طحين في مدرسة؟! الله أعلم بمرادهن! ومن ثم فخبراء التنمية البشرية يقولون: فكّر بشكل ايجابي! لكنّي لا أستطيع! حاول! لربما سيستخدمونهما في تحضير العجين وبذلك يتعلّم الطلاب كيف يعجنون وعندها بالتأكيد ستفرح جدّتي أم عطا، أو لربما سيصنعون الخبز منهما ويتبرّعون بالمحصول لفقراء البلد وعندها ستفرح أيضا جدّتي أم عطا، فهي كريمة معطاءة وخاصة في مجال الخبيز. لربما سيرشقون الطحين ... لا تكمل! فكّر بشكل ايجابي! لا أستطيع! كيف لي أن أقتل أفكارا تأتيني من حيث لا أدري؟! هل تريدني أن أشاهد المصيبة وأقول يجب أن أفكّر بشكل ايجابي؟! لو قلتُ لجدّتي أم عطا: فكّري بشكل ايجابي، لطردتني من بيتها وقالت لي: جدّتك تفكّر كيف تشاء، اغرب عن وجهي يا متفلسف.

لكني حاولت بكل ما أوتيت من قوة، أن أفكّر بشكل ايجابي، ولكنّ المصيبة وقعت بعد دقائق! كيسا الطحين لم يُعجنان ولم يُطبخان ولم يُؤكلان ولم يُطعما للفقراء ولم يُستغلّا لغرض تعليمي، ولكنهما بُعثرا في الهواء لغرض اللهو وقضاء الوقت، ولربما لالتقاط بعض الصور التذكارية! يا الهي، عندنا الطحين يُرمى في الهواء، لغير سبب محدّد، وهناك في أطراف البلد وفي أرجاء الوطن وفي بلاد العرب وفي أفريقيا، من لا يجد كسرة خبز ليأكلها! كم نحن أغبياء عندما نقذف نعمة غالية، لشعورنا بالاستغناء عنها في لحظة معينة، أما عندما نحتاجها، فإننا نصير كالكلاب نتقاتل على أقلها! هناك في سوريا لا يأكلون، وهناك في مخيمات الأردن وفي ضواحي مصر، ونحن نعبث بهذه النعمة! ما هذا التكبّر على النعمة؟! ما هذا التكبّر على كيسي طحين! واني متأكّد أن لو علمت جدّتي أم عطا بما حدث، لقالت: لو أحضرتَ لي ذانك الكيسين، لصنعت لك منهما عشرين رغيفا على الأقل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق