22.2.14

الاعتباطية المُكتسبة


ان الناظر الى الأمة العربية يدرك مدى العفوية والاعتباطية التي تعاني منها. المشاريع القومية والشخصية لا تحمل رؤية مستقبلية، ولذلك نرى الحماس الزائد في بداية كل مشروع، فتور بعد فترة، ومن ثم اندثار لكل الجهود التي بُذلت ولم تُثمر! نستورد الآلة من الغرب، ننتج بواسطتها موادا استهلاكيا بسيطة، ومن ثم يذهب صيت تلك الآلة ولا يدري صاحبها ماذا يفعل بها، لأن موضتها قد فاتت (الغرب يستمر بتطوير الآت أحدث، أنجع وأسرع وانتاجا) والمنتجات التي تُنتجها قد باتت من الماضي! وبالتالي نحن في حالة جري مستمر وراء اختراعاتهم وانتاجاتهم، ونستمر على حالنا هذه ونحن نرُدّد: "اسعَ يا عبدي وأنا بسعى معك". أهذا يُعدّ سعيا؟! أم لحالقا بالرّكب؟! لماذا نُصرّ على البقاء في الخلف؟! هل طبيعتنا تُحتّم علينا أن نبقى في الخلف؟! اذا كان الجواب نعم، فكيف حدث أن ازدهرت حضارتنا في العصور الوسطى؟!

ان هذا حال، وليس طبيعة مولودة ولا صفاتا موروثة، فالتخلّف والجهل ليسا من مميزات صنف معين من الناس، ولكن تلك الأيام يداولها الله بين الناس. ورغم أن هذا الحال دام وقتا طويلا وربما يدوم سنوات أخرى، الا أننا على يقين من أن دوام الحال من المحال. ان الانسان العربي يشعر بالعجز عن السيطرة على مصيره، فهو غير ضامن لمستقبله! واحساسه بانعدام الأمان والاستقرار، يؤكّدان عجزه عن السيطرة على يومه وغده. ذلك أن مصيره ليس بيده، وانما بيد من هم أقوى منه: بيد المتسلّط الداخلي (الذي يكون في الغالب ديكتاتورا) وبيد المتسلّط الخارجي (الذي يصبّ استعماره على الدول العربية وثرواتها). ان الشعور بفقدان السيطرة، يُصوّر للإنسان عالما اعتباطيا، عفويا، غير مُنظّما، مما يدفع بالفرد الى مزيد من الاعتباطية ("أحسن اشي اللي بعيش علبركة"، "ما في حاجة نحدد موعد، وينتا ما بيجي عبالي بمرق تلاك"). إذا كان العالم اعتباطيا، فلماذا الاجتهاد والسعي الى النظام والتخطيط والتفكير في المستقبل الغير مضمون (الرؤية المستقبلية)؟! اذا أعطاني العالم فوضى، فسأرجع له فوضى بدوري. هذا هو واقعنا وهذا هو المنطق الذي نتعامل به معه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق