5.8.14

سهولة الحرام، صعوبة الحلال


اذا نظرنا الى الحلال والحرام في غياب الروادع، فإننا نكتشف أن الحرام بشكل عام سهل المنال مقارنة بالحلال. فالسرقة أسهل من الكدّ والتعب من أجل تحصيل لقمة العيش، والتمتّع بامرأة دون زواج أسهل من الميثاق الغليظ بين الزوجين، وتغييب العقل عند شرب المسكرات أسهل من إعماله ليل نهار، واستعمال الكذب أسهل من التزام الحقيقة، والغيبة أسهل من النقاش الفكري! وكذلك قضاء الحاجة في المكان الذي تجلس فيه، تنام فيه أسهل من أن تقوم من مكانك لتذهب الى المرحاض! وكما نلاحظ أنه في هذه الأيام زادت الفجوة بين الحلال والحرام، حيث صار الحرام في متناول اليد أكثر من أي زمن قد مضى، في حين زاد التعسير على طالبي الحلال، ولا شكّ أنها فتنة عظيمة، يمكنها أن تخدع الناس ليروا الحلال جحيما والحرام جنة. هذا الخداع لا ينبع من فراغ، وانما هو ناجم عن الحضارة المادية التي تحاول شطف عقول الناس والتأثير عليهم (أحيانا كثيرة بصورة غير واعية) لتقنعهم أنه ينبغي البحث عن اللذة أينما كانت وترك الألم حيثما كان، لتقنعهم أن هذه الحياة هي الجنة المُنتظرة (ولذا ينبغي جعلها جنة وغمرها بكل أنواع الملذّات) ولا جدوى من انتظار الحياة الأخرى. لذا فسهولة الحرام التي نتكلّم عنها هنا هي سهولة مادية، سهولة تُقدّس الغريزة وترفع من شأن اللذّة. بمعنى أن الحرام يأخذ أفضلية مادية في الأمد القريب، ذلك أنه يجعل الانسان يتلذّذ بكل ما اشتهت نفسه. إلا أن نفس هذا الحرام ينقلب على فاعله في الأمد البعيد، حتى ولو كان الانسان متواجدا في مجتمع متنكّر للقيم الأخلاقية، اذ نفترض بقاء شيء من الفطرة السليمة عند الناس، كما أن القانون يمكنه أن يضمّ شيئا من الأخلاقيات. هذا الحرام الذي يبدو سهل المنال، مُغريا، يصير حجّة على صاحبه في الأمد البعيد، فالسارق يمكن أن يُضبط ويجرّم وفقا للقانون، والانفلات الجنسي يجعل الانسان شهوانيا ويمكنه أن يبخس المرأة حقّها، والسّكر يقلّل من النشاط العقلاني والإنتاج الفكري، والكذب يمكنه أن يوقع صاحبه عاجلا أم آجلا، والغيبة تنجب المشاكل وتحيد الكلام المفيد الى الهامش.

أما عندما تزداد وطأة الروادع، بما في ذلك الروادع القانونية، الفطرية والأخلاقية (النوع الأول خارجي، الآخران داخليان اذ ينبعان من داخل الانسان بعد أن ذُوتّا فيه وهما الأهم)، عندها تغيب سهولة الحرام وتطفو على السطح سهولة الحلال، اذ تصبح السرقة - على سبيل المثال - عملا مستهجنا، بعيدا عن التفكير والتنفيذ، لأن التربية الحسنة زرعت في الانسان أخلاقا وقيما، وبذلك ساهمت في تنمية الفطرة السليمة، لتكوّن روادع فطرية وأخلاقية عن مدّ اليد الى ما لا يتبع للشخص.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق