5.8.14

فقير!


هناك من كلام الناس ما يثير الدهشة، كأن تسمع أحدهم يقول: "هذا الزلمي فقير بجيش بحدا"، والآخر يرد عليه: "انت هيك بتفكّر، يا من تحت السواهي دواهي"، أو "هذا اللي بتحكي عنه حية من تحت التبن"! والناس صارت تُطلق كلمة فقير على من يظهر أنه مسالم، على من يكفّ شرّه عن الناس، على من ليس ذئبا (في عُرف الناس أهبل)، لتُصبغ الصفات الحميدة بالسلبية المقصودة علنا أو ضمنا، فتصير كلمة فقير مرادفة لأهبل، لمن لا حول له ولا قوة! وعندها بالطبع سيحبّ كل واحد لو أن يكون غنيا، ولهذا يحاول أن ينفي عنه كل الصفات الحميدة الملاصقة لمن ينادونه "فقير"، ليصير بذلك ذئبا كما الباقي، وليجتهد على أن يُظهر نفسه أنه ليس شخصا هينا، فهو يخدع، يكذب، يغشّ، ينافق، يرائي، الى ما الى ذلك من صفات تساهم في ابرازه كشخص "ملعلب"!

ان التشدّق بكلمة "فقير" يهدف في الغالب الى رفع المدّعي والحطّ من المدعي عليه، انه يهدف الى تضخيم الأنا على حساب الآخرين، الى البروز من خلال الدوس على "الفقراء" والاستهانة بهم! ولو حدث وأن سمح كِبْر المدّعي له أن يطّلع على عالم من يناديه "فقيرا" لاكتشف الحلاوة وراحة البال في هذا العالم الذي يهزئ منه! انه يهزئ منه لأنه لا يعرف أن يكون فيه! انه لا يعرف كيف يمكن أن يجمع بين الاستقامة وعزّة النفس، بين الصدق والمطالبة بالحقوق، بين اللين (الطيبة) والشدة! ان نظره زائف، إذ يرى الشخص الطيّب فقيرا وهو غني في الحقيقة، فهو يقنع بما عنده (غَنِيَ بِمَا لَدَيْهِ : اِكْتَفَى)! ولقد قال الناس منذ قديم الزمان عن الخالق أنه فقير وهم أغنياء، إلا أن قولهم الزائف لا يُقدّم خطوة واحدة، وانما يؤخّرهم اذ يبقون مخدوعين بكبريائهم، بعنجهيتهم، بتسلّطهم، وكل ذلك زائف لأنه عكس الحقيقة! يقول تعالى: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق