5.8.14

التدخّل


من الأمثال الشعبية التي تنمُّ عن حكمة وخبرة حياة، المثل القائل: "من تدخّل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه"، وهو كذلك لأنه بالإمكان ملامسة صداه في الواقع المُعاش. عندما يتدخّل شخص في خصوصيات شخص آخر، فهو عمليا يخترق الحدود، يخترق الحدود التي تفصل بينه وبين الآخر. هذا الاختراق يمكن أن يُفسّر على أنه عدواني، ليشعر الانسان وكأنّ هجوما يشنّ على ذاته، ولذا عليه أن يهيّئ آليات الدفاع للمواجهة أو التملّق. مثل هذا التفسير يظهر في الغالب في العلاقات الاجتماعية الغير متطوّرة. لكن لنفس الاختراق يمكن أن يُعطي الانسان تفسيرا مُغايرا، فحواه أنه محاولة للتقرّب والتودّد والانسجام، اذا ما حدث بين شخصين تجمعهما علاقة اجتماعية قوية أو يرغبان في تطوير مثل هذه العلاقة. الحالة الأخيرة تخرج عن سياق المثل، لأن الشخص المتدخّل يتدخّل فيما يعنيه، اذ يهمّه أمر الآخر والآخر يهمّه أمر الأول.  

لذلك فإنّ من يتدخّل فيما لا يعنيه، يتدخّل في خصوصية الآخر، يخترق الحدود، فإنه عليه أن يتوقّع هجوما مضادا أو على الأقل دفاعا، وعلى الأغلب فإن هذا الهجوم أو الدفاع لن يُعجِب المُتدخّل، مما يتفق مع القسم الثاني من المثل: "لقي ما لا يُرضيه". من هنا وتجنّبا للوقوع في القسم الثاني من المثل، فإنه ينبغي اجتناب الشرط أو القسم الأول، بمعنى أن يحافظ الانسان على أن لا يتدخّل فيما لا يعنيه. والحفاظ على عدم التدخّل فيما لا يعني المتدخّل هو أفضل وأنجع، اذ علاوة على صون الخصوصية (للحفاظ على شخصية الإنسان)، فإنه يتم توفير كلاما لا ينفع ويقطع طرق التسلّل والتجسّس من أوّلها (حفاظ وظيفي: اذا لم يكن للتدخّل وظيفة فلا حاجة لنا به). فماذا يستفيد الواحد ان تدخّل فيما لا يعنيه عدا عن أنه يحقّق بذلك غايات شخصية، كالسيطرة على المعرفة (أنا أعرف كل شيء عن الجميع بما في ذلك أسرارهم)، وماذا يستفيد من اختُرقت خصوصيته مُكرها؟! وهذا ما ينسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق