5.8.14

تجميل القبح


مما يثير حفيظتي اللامبالاة تجاه الجوهر وحتى تجاه المظهر، إذ رغم تشديدنا على تقديم الجوهر على المظهر، إلا أنه عند العجز عن تحسين الجوهر، فعلى الأقل ينبغي محاولة تحسين المظهر. المثل الشعبي يقول: "العين تأكل قبل الفم"، تعبيرا عن التلذّذ بالمنظر الشهي للطعام قبل الاقتراب من محتواه (الجوهر)، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمال". ان الدول المتقدّمة تسعى الى ابراز تقدّمها أحيانا من خلال أشياء بسيطة، لا تعجز عنها الدول الأقل تقدّما، ولكنها غالبا ما تهملها. تهييئ مراحيض نظيفة في المناطق الحيوية التي تعتبر واجهة البلد (كالمطارات، المعابر ...) هو أمر مقدور عليه في جميع الدول، كما أن تهييئ بيئة نظيفة جميلة في تلك الأماكن ليس بالشيء الغير مقدور عليه أيضا. بناءً على ذلك أكاد لا أفهم كيف تهمل بعض الدول (مسار الحجيج كمثال)، هذا المطلّ الاستراتيجي، هذه النافذة الاستراتيجية، تلك المناطق الحيوية، فتجعل المراحيض نتنة، مقتحمة على أيدي الذباب، وبالمقابل، تتحلّى العاصمة والمنطقة الملكية بأعلى درجات الرفاهية واصلين الى البذخ والاسراف. ألم يُفكّروا في الرسالة التي تصل الى المسافر أو القادم الى البلد؟! انه يسمع ما حوله (بسبب قُبح المناظر) يقول له أن الدولة هذه قذرة، أهلها قذرون، لا يعرفون النظافة! ومن ثم نريد أن تصير دولنا متقدّمة! كيف ونحن مهملون لأبسط الأمور المقدور عليها؟!  

ان الدولة الراشدة تحافظ على نضارة هذه البؤر المركزية (مركزية لأهميتها)، وبذلك تُمرّر الرسالة، اننا شعب نظيف، نحبّ النظافة، نعشقها! اننا شعب يحب الرقيّ، الحضارة، الذوق الرفيع، رغم قلة الموارد! اننا شعب مشبع بالقيم والأخلاق، ولذا لا يمكنننا أن نترك ثغرة قبيحة مكشوفة! اننا نحاول التحسين بقدر الإمكانيات! ان الدول المتقدّمة تُمرّر هذه الرسالة لزائريها ولقادميها، فيزدادوا من اعجابهم بها، رغم أنه ليس حتما أن يكون الشعب الإسباني أنظف وأعلى أخلاقا من الشعب الأردني، ولكن الرسالة تمر، وهنا تبرز أهمية هذا المطلّ الاستراتيجي ومظهره.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق