5.8.14

التعسير


أحيانا كثيرة أتساءل لماذا نُعسّر على أنفسنا؟! لماذا نحمّل أنفسنا ما ليس لنا طاقة به؟! لماذا نتكلّف؟! لماذا نتنطّع؟! وأضرب مثالا حيّا لتجسيد هذا النزوع الى التعسير والذي يمكن اعتباره نزوعا الى التطرّف وابتعادا عن الوسطية. انه التكلّف الذي يُفرض على الشباب المقبلين على الزواج. فلكي تكون شابا مؤهّلا للزواج ينبغي أن يكون عندك بيت طراز "فيلا"، سيارة طراز "رويز رويز" وغيرها من المتطلّبات، ولكي تفرح البنت ينبغي أن تُقيم حفل الخطوبة مع طنّة ورنّة وبعدها بفترة سهرة وبأحسن القاعات وغيرها. لماذا كل هذه المعيقات التي نضعها في طريقنا؟! ومن ثم ندّعي أن الحياة صعبة هذه الأيام! من يُصعّبها؟! ان في هذا التكلّف ابتعاد عن الطبيعة، عن الريف واتجاه الى الحياة الصناعية، الآلية، والى التمدّن.  

الا أن ما يقف وراء هذا التعسير هو التشبّث بالتقليد، فابن الجيران بنى بيت 500 متر وأنا كذلك أريد 500 متر، ويزيد الناس على التقليد أقوالا من مثل: "ليش هو بشو أحسن مني؟!". والعروسة بنت عائلة كذا لبست بدلة زفاف بقيمة 5000 دولار، وأنا أريد كذلك، وكل الناس عندهم اليوم سيارتين في البيت، فكذلك نحن نريد سيارتين ولو لم نكن بحاجة اليهما. ووقت "النقوط" يُحرج من لا يملك أكثر من قوت يومه، ولكنه يفكّر في الأمر: كيف لي أن أضع مبلغا أقل من الجميع؟! ويُجبَر أن يمدّ رجليه أكثر من فراشه، منساقا بذلك وراء الموضة ووراء العادات والتقاليد التي لم تنزل علينا من السماء وانما نحن من ابتدعناها. بهذه الصورة، يقلّد الثاني الأول وتنتشر الظاهرة لتصير عُرفا وشيئا متفقا عليه، وهكذا يمكن أن يستمر التضخّم (بعد ما طلعت موضة دار الـ 500 متر، بتطلع موضة عمدان الشايش وهكذا دون نهاية)، ان لم ينشأ الوعي الذي يضع حدّا للتبذير والإسراف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق