5.8.14

البسطاء العظماء


ليس كل من يعمل يعرق ولكنّ هؤلاء يعرقون! ليس كل من يعمل يرجع الى بيته منهار القوى ولكنّ هؤلاء كذلك يرجعون! ليس كل من يعمل يستيقظ فجرا ولكنّ هؤلاء يستيقظون! ليس كل من يعمل تحرقه الشمس ولكنّ هؤلاء يُحرقون! ليس كل من يعمل يخاطر بحياته ولكنّ هؤلاء يُخاطرون! انهم العمّال البسطاء الذين يأبى التاريخ أن يستغني عن خدماتهم وعن عطاءاتهم وعن عُطر عرقهم! هؤلاء المحكومون، "المُستعبدون"، المقهورون وفي نفس الوقت الحاكمون (فمن يستغني عن خدماتهم؟!)، المُناضلون والثائرون. هؤلاء الذين أبَو على أنفسهم أو أبت عليهم أنفسهم أن يجلسوا خلف طاولات المكاتب، في الظلال، في بيئة مُكيّفة! انهم أرادوا أن يخدموا بقوة ساعدهم، بطاقتهم المتفجّرة، بأيديهم الخشنة، ليُنتجوا أروع ما عرفت الحضارة! ليُنتجوا المباني التي تعانق عنان السماء، دور العبادة التي تسمو فيها الروحانيات، وما يحتاجه الانسان من قوت يومي! انهم يُساهمون في بناء الحضارة! وهم عن قصد أو عن غيره يُساهمون أيضا في تيسير الثقافة، اذ تسهل حياة الناس وتسنح لهم فرص أكثر للتثقّف (الروحانيات، الفن، الفلسفة ...).

هؤلاء الذين نراهم بسطاء هم عظماء في الحقيقة ان احسنوا عملهم وأتقنوه، فهم المُنفّذون الحصريون في الوقت الحالي، ولربما نصل الى عصر تمّحي فيه هذه الطبقة من العمال اذ تحلّ الماكنة مكان الانسان، الا أننا بالتأكيد لسنا هناك في آننا. ان المُحاضرين يُعلّمون الهندسة المعمارية، المهندس يضع تخطيط البناء، ولكن اذا لم يتواجد ذاك العامل البسيط الذي يُسمّى بنّاء، فكيف للبناء أن يقوم؟! دُعاة الحفاظ على البيئة يُنظّرون، يُخطّطون ويُطالبون، ولكن اذا لم يتواجد ذاك العامل البسيط الذي يُسمّى عامل نظافة، فكيف للبيئة أن تُحفظ؟! هل يمكن أن يقوم المسجد من غير جهدهم؟! هل يمكن أن تتواجد المدرسة الحضارية من غير عملهم؟! انهم بناؤو الحضارة الذين يستحقّون منا تحية اكبار واجلال على جهودهم الجبّارة، والأهم من ذلك، يستحقّون منا احتراما وتقديرا (بعيدا عن الاستخفاف بهم وبعملهم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق