28.6.14

مسألة الهوية


 منذ أيام الطفولة الأولى، تبدأ هوية الإنسان بالتشكّل والتكوّن، فالطفل يبدأ بالانفصال عن أمه رويدا رويدا ويبدأ يُدرك هذا الانفصال، ويبدأ يدرك أنه انسان، يأكل، يشرب، ينام، وأنه مختلف عن النبات والحيوان والجماد. ويستمر تطوّر الهوية الى أن تصل الى الذروة في جيل المراهقة. في هذه الذروة يحدث التسارع والتقدّم الملحوظ.

وفقا لطرح الأخصائي النفسي روبرت سلمن (Robert Selman)، هناك جانبين مهمّين في تطوّر الهوية الذاتية وهما: بحث الهوية والالتزام بها. من دمج الجانبين تنتج لدينا أربع حالات ممكنه يمكن رؤيتها لدى المراهقين. الأولى هي عندما يأتي التزام بهوية معينة على أثر بحث وفحص، مما يؤدّي الى انتاج هوية ثابتة نسبيا. الثانية هي عندما يأتي التزام بهوية ما قبل البحث والفحص ويحدث هذا كثيرا في مجتمعات محافظة وعند الأقليات. الثالثة عندما يكون هناك بحث مستمر والذي لم يثمر بعد عن هوية محدّدة وبالتالي لا التزام حالي. الرابعة عندما يكون هناك امتناع عن الخوض في بحث مسألة الهوية وبالتالي لا ينوجد الالتزام.

عند العرب في الداخل الفلسطيني، وبما أن الواحد يظلّ مرتبطا ببيت والديه الى حين التعليم الأكاديمي، حيث يحدث انفصال جزئي عن البيئة العائلية وقته (انفصال أكبر يحدث وقت الزيجة عندما يخرج الولد من بيت الوالدين ليعيش في بيته الخاص)، فإن الهوية بنظري تمر بمرحلتين: في المرحلة قبل الخروج الى التعليم الأكاديمي يتبنّى الشاب النوع الثاني من الهوية، وفي مرحلة متأخّرة أكثر بعد الانكشاف الى التعليم الأكاديمي يبدأ الفرد بتطوير هوية نابعة من بحث وفحص (النوع الأول، هوية أكثر ثباتا). في المرحلة الأولى ونظرا للاعتماد Dependence)) على الوالدين في كثير من الأمور، مما يحدّ من الاستقلالية، نرى أن الولد يتبنى الهوية التي منحه اياها والداه، أو التي أرادوها له. يمكن أن نرى ذلك بوضوح، وقت اختيار موضوع التعليم الأكاديمي، إذ يتحيّر الشاب كثيرا ولا يدري ما ميوله، ويكون للوالدين تأثير كبير على القرار. ان هذه الهوية هشّة، ضعيفة، غير ثابتة، فمن أول لقاء مع الآخر تبان هشاشتها وضعفها، إذ تعلو أسئلة مثل: لماذا أنا مسلم؟ ماذا يعني كوني عربي في الداخل الفلسطيني؟ ماذا يعني ارتدائي للحجاب؟

 لذا في المرحلة الثانية، تثور التساؤلات وتعلو الشكوك، الى أن تستقر الشخصية بين فيض الشخصيات الأخرى، وتستقر الهوية بين فيض الهويات الأخرى، وعندها تظهر الهوية من النوع الأول والتي تُعتبر أكثر ثباتا. ان تقلّب الهوية هذا يمكن أن يكون نابعا من الصورة المركّبة التي تتواجد في الداخل الفلسطيني، فالأكثرية هي من اليهود والأقلية هم من العرب، وهم أي العرب يعيشون داخل دولة اسرائيل ويُعتبرون مواطنيها (على الهوية على الأقل)، في حين جذورهم، مشاعرهم، انتمائهم، اهتمامهم، يتّجه الى الأصل الفلسطيني بشكل خاص والى الأصل العربي من حولهم بشكل عام. فأن تكون عربيا فلسطينيا في دولة اسرائيل، ليس بالأمر السهل بتاتا من ناحية شعورية، مما يؤثّر على عملية بناء الهوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق