28.6.14

اماطة الالتباس عن الاقتباس!


أحدهم قال لي مرةً: "أستغرب كيف يقتبس الخطيب أقوالا لعلماء غربيين ليسوا مسلمين خلال خطبة الجمعة. كيف يمكن اقتراف مثل هذا العمل؟!". ولو أننا استمررنا في الحديث، لكان ربما سيزيد من تطرّف رأيه، ليقول: كيف يمكن اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء؟! انه يجب أن ندعوَ لهذا الخطيب أن يهديه ربّه الى سواء الصراط، فلا يحيد عن أقوال علماء الإسلام! انه لقول مثير للاشمئزاز ولكل تلك المشاعر السلبية البدائية، خصوصا وأن القول صادرٌ عن شاب منخرط في التعليم الأكاديمي! إلا أن هذا القول يعكس رأيا مُسبقا، والذي وفقا له، كل ما يأتي من غيرنا هو خطر على أبنائنا، هو خطر على عقولهم، انه يُعرّضهم لعملية غسيل دماغ، متناسين بذلك، أنهم هم من بدأوا عملية غسيل الدماغ عند تخويفهم من الآخر وآرائه التي يعتبرونها مضلّلة! ما الذي يُخيف في الآخر؟! ما الذي يُخيف في مُفكّر أوروبي؟! في عالم كيمياء أوروبي؟! في عالم رياضيات أمريكي؟! في فيلسوف استرالي؟!    

ان أوروبا أبدعت في مجال العلم (Science) والبحث العلمي، في حين نحن تأخرّنا، فلماذا لا ننهل من العلم حيث كان؟! أليست الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها؟! ولماذا لا نُدخل هذا العلم الى الخطب الدينية وبذلك نضيّع الفرصة الثمينة لرفع ثقافة الناس؟! ولماذا نبني الحواجز بين الدين والعلم؟! ان الخطبة هي فرصة للقائهما، لاتساقهما، لربط الدين بالواقع، للتجدّد وللتجديد! ان البحث العلمي موضوعي الى حد ما، فهو يكفر بكل ما يتّصل بالدين، وبذلك يمكننا أن نأخذ من هناك العلم الخالص. وبالنسبة للمفكّرين والفلاسفة يمكن أن نأخذ ونقتبس الأقوال المُنصفة، فنُدّعم بها كلامنا، ولا مانع من أن نقتبس الأقوال التي تتعارض مع ديننا وفكرنا اذا مع أتبعناها بنظرة نقدية. 

ورغم المسوّغات الكثيرة التي من الممكن أن نسمعها، إلا أن الأسباب الباطنية لرفض الاقتباس، تنبع كما يبدو من احساس بالنقص تجاه المتفوّق (ماديا، اقتصاديا، وربما أخلاقيا)، ولذا فإننا بدلا من أن نعترف بتخلّفنا وتقصيرنا في جانب العلم الخالص والبحث العلمي، نحاول بكل الوسائل أن نُصغّر المتفوّق، نحتقره ونزدريه، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال أقوال مثل، "أوروبا كلها فساد وستمّحي عما قريب"، "الغرب الجاحد"، "اللا حضارة الغربية" وغيرها. اننا نظنّ أنه عندما نقتبس من أقوالهم، فإننا نعطي أهمية لهم، ونعرض تفوّقهم أمام ناظرينا، مما يثير احرجنا ويولّد احساسا بالنقص. ونبقى نظنّ أننا سنتقدّم، دون أن نأخذ من المتقدّم، فكيف سيحدث ذلك؟! الله أعلم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق