28.6.14

ان غدا لناظره بعيد!


يقول قراد بن أجدع الكلبي: "فإن يك صدر هذا اليوم ولى، فإن غدا لناظره قريب"، ومعنى لِناظِرهِ أي لِمُنتَظرِه، يُقال: نَظَرْتُه أي انتظرته. أي أن من ينتظر غده بفارغ الصبر، فإنه سيأتي مُسرعا مُقبلا غير مُدبر، ومن يعدّ الدقائق، فلن يستشعر الوقت، إذ سيأتيه المُنتظَر على بساط من ريح! أليس يبدو هذا المعنى غريبا؟! ألا تفوح منه رائحة التناقض؟! كيف يمكن لمن يعدّ الدقائق منتظرا، أن ينسى الوقت فيبان له قُرب الغد؟! وفقا لمبلغ علمنا، فإننا نعرف أن الإحساس بالزمن يختلف من وضع الى آخر، تَبَعا للتقلّبات النفسية والمزاجية، فعندما نكون في قمة السعادة، يمكن أن ننسى الساعة، لنتفاجأ بمرور خمس ساعات على ما نعمله. ذلك يمكن أن يحدث في لحظات الاندماج القوي والانسياب مع ما نعمل. وأحيانا أخرى، عندما نملّ أو نحزن، نشعر وكأن عقارب الساعة لا تتحرّك، وأن النهار لن ينتهي. في هذه الحالة، نكون متركّزين في أنفسنا، في ساعتنا البيولوجية، في ساعتنا اليدوية.

قائل هذا البيت (قراد)، كان قد كفل الطائي، ليتمكّن (ليتمكّن الطائي) من توديع أهله قبل أن يقوم النعمان بقتله، وما حدث أنه ظلّ واقفا ينتظر الطائي، ولما اقترب الأجل وقبل ساعات من تنفيذ الحكم، قال بيت الشعر أعلاه. انه كان ينتظر قدوم الطائي، حتى لا يُنفّذ عليه حكم القتل، ولأن من عادة العرب الوفاء بالعهد، إذا بالطائي يأتي ما قبل نفاذ الوقت. بالعادة، من ينتظر ويعدّ الثواني، يكون متركّزا في نفسه، في ساعته كما أسلفنا، ولذا يشعر بتثاقل الوقت وبطئه، لتصير الساعة، ساعات في شعوره الداخلي، وليصير اليوم أياما والشهر شهورا. انها حالة مراقبة الوقت وانتظاره. قراد كان منتظرا الفرج، كان منتظرا النجاة من الموت، من الإعدام، ويمكننا أن نقول أنها نوع من المواساة استعملها قراد ليُصبّر نفسه على ضيقه وعلى مصيبته. ونحن نستعمل هذه الأيام أقوالا قريبة من قول قراد، عندما نقول: "اللي مضى من الوقت أكثر من اللي بقى"، "صبرنا كل هالوقت، ومش راح نقدر نتحمّل هلساعتين"! أي ان قولا مثل: "إن غدا لناظره قريب"، يكشف عن آلية من آليات الدفاع عن النفس (المواساة)، في حين أن ذلك لا ينفي الاحساس الباطني بتثاقل الوقت "ان غدا لناظره بعيد!".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق