28.6.14

الديكتاتورية المتديّنة


هناك نوع من الديكتاتورية ترتدي لباسا دينيا لتبرّر وجودها ولتُقنع الناس بحتميّتها. انها تحتمي بغطاء الدين لتلمّع نفسها ولتبيّض وجهها القبيح ولتستقطب البسطاء، ولكن اكتشاف حقيقتها لا يستعصي على النبهاء، فالغطاء يبقى غطاءً ومن تحته ستبرز حقيقتها. انها دكتاتورية تدّعي وجود الحكم الإلهي جاهزا ولذا لا مجال للنقاش وللبحث وللأخذ والعطاء، فهذا حكم الله، وهل تجرؤ يا هذا على مخالفة حكم الله؟! هل تقول بعد قول الله قولا؟! وستُتلى عندها الآية 36 من سورة الأحزاب: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً"، ليكتمل فيلم الترهيب والتخويف، وبالتالي ينساق الواحد وراء قولهم خوفا من عقاب الرحمان.

ان النية (نية المنساق) حسنة ولكن هل انتبه الى المطبّ الذي أوقعه فيه ذلك الفاشي المتديّن؟! لقد مارس تلاعبا مقصودا أو غير مقصود في طريقة عرض الأمور، فصحيح أن الأمر والحكم الإلهي هو الحاسم في نظرتنا، الا أن السؤال يبقى ثائرا: هل هناك حكم شرعي قطعي في المسألة المعروضة؟! أم أن هناك عدة اجتهادات وعدة أفهام؟! ان المسائل القطعية في ديننا ضئيلة مقابل المسائل التي فيها يبرز الاجتهاد وتتعدّد فيها الآراء، فهي أفهام بشرية للكلام المُنزل، ولذا فهي تحتمل الاختلاف. من هنا فإنه في حالة تواجد عدة اجتهادات، فلا ينبغي التضليل والتشبث باجتهاد واحد والادعاء بأنه هو أمر الله وحكمه وبالتالي ينبغي تطبيقه دون تفكير أو بحث، وانما ينبغي الاعتراف بالحقيقة أن هذا هو اجتهاد واحد من عدّة وعندها يمكن أن تغيب الديكتاتورية المتديّنة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق