28.6.14

التحوّلات الفكرية


 لا يمكن للإنسان أن يعيش في معزلٍ عن بيئته المحيطة، كما لا يمكنه أن يعيش في معزلٍ عن ذاته، فمهما اتّجه نحو الرهبنة والاعتزال، فلا بدّ له أن يحتكّ مع الطبيعة وبعض الناس ليُلبّي حاجاته الأساسية! ولو فرضنا أنه اعتزل بيئته كل الاعتزال، فإنه لا يمكنه أن يعتزل نفسه التي بين جنبيه. والبيئة المحيطة والذات الانسانية هما ديناميتان، بمعنى أنهما لا تستقران على حالة معينة، فالبيئة يمكن أن تكون فقيرة لتتحوّل الى غنية، ويمكن أن تكون خانعة لتتحوّل الى ثورية ويمكن أن يكون جسم الانسان معافىً ليتحوّل الى المرض وهكذا. لذا فإن الانسان مُعرّض دوما لهذه التغييرات وتأثيراتها (تأثيرات التغييرات) على فكره، آرائه ومواقفه! خنوع البيئة يُساهم في الغالب في خنوع الانسان، تمرّد البيئة يُساهم في تمرّد الانسان!

واذا كان العنصران الديناميان (البيئة والذات) يؤثّران على عنصر ثالث، فإنه سيكون ديناميا هو الآخر لا محالة! ان الفكر الإنساني سيكون ديناميا في بيئة دينامية! الآراء، المواقف، وجهات النظر، ستكون كذلك! اذا، لماذا نستغرب تبدّل المواقف وتغيّرها عند الأشخاص؟! ونسارع الى اتهامهم بالتناقض وبالمراءاة وبالتلّون ولربما نخوّنهم وندّعي أنهم خائفون مهادنون! هذا التحوّل يمكن أن يكون تطوّرا حقيقيا في فهم الأمور، فعندما تحدث ثورة وتُؤتي ثمارا أولية، يبدأ الناس يؤمنون مجدّدا بإمكانية التغيير ويزول واقع الخنوع، وعندها يمكن للآراء والمواقف الثورية أن تظهر. ان الواقع قد أعطى درسا للناس، فمنهم من عقل هذا الدرس واستخلص المغزى، ولذا نرى عنده تغيّرا في المواقف! أفنعتبر هذا تلوّنا؟! أم نعتبره تراجعا؟! انه أقرب ما يكون الى التطوّر! واذا أخذنا مثال الشخص الذي حلّت به مصيبة (مات له قريب، مرض جسدي مزمن ...) وكنتيجة لذلك تحوّل الى الإيمان ورجع (أو بالأحرى تقدّم) الى الدين. أفنعتبر هذا تلوّنا؟! اننا بذلك نُجهض كل امكانية لتطوّر الفكر الإنساني دون أن ندري ومن ثم نسأل لِمَ لا نتقدّم، لِمَ لا نتطوّر؟!
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق