28.6.14

أفكار أم أشخاص ؟


 نلاحظ كثيرا في النقاشات التي تدور في الحياة اليومية أو على صفحات التواصل الاجتماعي، كلاما فيّاضا عند الحديث عن الأشخاص، وان حدث وعرض أحدهم أفكارا، فإن المعقّبين يأخذون كتابته الى التشخيص، مُبرزين بذلك عجزهم عن نقاش الأفكار، وردّ الحجّة بالحجّة والدليل بالدليل والفكرة بالفكرة. وعندها يمكن أن نرى تعليقات مادحة مثل: "انت شخص عظيم"، "بطل"، "عظمة على عظمة يا كبير"، أو تعليقات ذامّه مثل: "انت انسان غبي"، "انت مش فاهم شو بتحكي"، "انت مريض نفسي" وغيرها من المسبّات والتّهم والادّعاءات الباطلة الموجّهة الى عين الشخص، متفاديةً بذلك كل الأفكار التي طرحها الكاتب من خلال مقالته.

واذا استمعتَ الى حديث نسوة أو رجال، فإن ذكر الأشخاص ومثالبهم وأحيانا قليلة مناقبهم، لا يكاد يفلت من الجلسة. وهنا يقع الجالسون في الغيبة والنميمة، وليس هذا فحسب، وانما ينحدر الحوار الى مستويات خفيضة، وأحيانا تُنتهك الأعراض وتعلو القهقهات على فلان وعلان، وعالم الأفكار لا يُطرق بابه! اننا لا نريد أن نجعل جلساتنا كلها حلقات فكرية، إذ أن النفس تملّ وتتعب وتبحث عن مُتنفّس، وانما يمكن أن تحتوي هذه الجلسات وتلك النقاشات الفيسبوكية على تجارب حياتية، على وصف ظواهر مُلفتة للنظر صناعية أو طبيعية، على حديث عن آلام، طموحات، آمال، ذكريات جميلة! ولكنّ المشكلة تبرز عندما نحرم أنفسنا من لذّة الفكر والتفكّر، عندما نحرم أنفسنا من تذوّق عالم الأفكار، عندما نحرم أنفسنا من النقاش الحضاري الراقي، ونجعل حواراتنا كلّها شحيحة، تافهة، وضيعة، في معزل عن الأفكار! ان هذه النقاشات وهذه الجلسات الفارغة لا يمكنها أن تصنع رجالا ليقودوا التغيير في مجتمعهم، انها لا يمكن أن تُعلي الهمّة، ولا أن تحرّك تغييرا في الأمة. إذ لا يمكن لمن هو عاجز عن انشاء نقاش حضاري ثقافي، أن يقود أمّته للتحضّر وللتثقّف. كيف يقود تغييرا مجتمعيا، ان كان عاجزا عن قيادة تغييرا شخصيا؟! يقول تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد، 11).

ويصف مالك بن نبي في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" الفكر الجاهلي المحصور بعالم الأشخاص والذي وان كان فيه من عالم الأفكار (كما في المعلقات)، إلا أنه يبقى يستقي أفكاره من عالم الأشخاص:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق