28.6.14

الهيبة


كلمة "هيبة" هي واحدة من الكلمات المثيرة للجدل بين الشرق والغرب، وهي منتشرة عندنا (في الشرق) انتشار النار في الهشيم، فكلّنا يسمع جملا مثل: "خليك مِهْيِب!" أو "العرض مش مِهْيب" أو "هالزلمي ما شاء الله عليه، هيبة وعظمة". هذه الكلمة مثيرة للجدل لتعدّد دلالاتها ومعانيها، ففي معجم الرائد يمكن أن نجد لها معنيين ايجابيين: احترام وكرامة، ومعنيين سلبيين نوعا ما: مخافة وحذر. والكلمات التي تقابلها في الإنجليزية تتنوّع، بدءا بـ prestige (وقار) وانتهاءً بـ fear و panic وحتى terror!

وعندما نُطلق هذه الكلمة، فإننا غالبا ما نرمي الى الوقار والى الرزانة، نرمي الى أن يكون الشخص متّزنا، عزيزا بأعين الناس الذين يرونه. انه يجب أن يتصرّف تصرّفا محدّدا حتى يُكتب من المهيبين، انه يجب أن ينصاع لقوانين مجتمعه الصارمة، وان تجرّأ على الانفلات، فإنه يتنازل عن هيبته. بكلمات أخرى، ان الهيبة هي نتاج اجتماعي، أكثر من كونها نابعة من داخل الانسان، وذلك لما فيها من تمثيل وكبت ومحاولة لإرضاء الجماهير. لكنّ الكلمة تبقى ذات اسقاطات ايجابية في الشرق، والمعنيان (احترام وكرامة) يمكن أن يتلاءمان مع المفهوم الشرقي لكلمة هيبة.

في الغرب يمكن أن يُنظر الى الشخص المهيب على أنه محافظ بشكل مبالغ فيه، منطوٍ على نفسه، منغلق، اذ لا يُصارح بأحاسيسه، فإن أحبّ أن يتقهقه، فإنه لا يفعل، لأن ذلك يحطّم هيبته أمام الناس، وان أراد أن يبكي، فإنه كذلك لا يفعل لنفس السبب. ولكونه منغلقا غامضا يمكن أن يكون مخيفا وحتى ارهابيا في النظرة الغربية، فهو شاذّ وشذوذه بارز لا يمكن تجاوزه. أي أن نفس الكلمة يمكن أن تقترن بمعنييها الآخرين (المخافة والحذر) في السياق الغربي.

لذا يمكن استعمال كلمات مثل، وقار، رزانة، بدلا من كلمة هيبة، اذ انهما ينبعان من داخل الانسان أكثر من كونهما نواتج اجتماعية. وهما نقيّتان أكثر، وأقل اثارة للجدل. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف: "عليكم بالسكينة والوقار". وعند استعمال هذه الكلمات يمكن أن يصبح الهدف المرجو تحقيقه، أكثر صدقا (لأنه نابع من الداخل)، أوضح معالما (بدلا من هدف مثير للجدل مثل كلمة هيبة)، فأن تسعى لأن تكون انسانا وقورا رزينا، خير لك من السعي المُضني وراء الهيبة، لما ذكرنا من تعليلات أعلاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق