28.6.14

التمس لأخيك سبعين عذرا !


يقول جعفر بن محمد: "إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه"، ولا أدري لماذا اُختير الرقم سبعين بالذات (وليس هذا مبلغ همّنا في هذه المقالة) ولكنّ العبرة في التماس الكثير من الأعذار، لما يبان لنا من فعل من نعرف! عندما نبدأ اتصالا جديدا بإنسان، نتوهّم للحظات أننا صرنا نعرف كل شيء عنه، خلال شهرين، في حين هذا وهم جلي، إذ هل يمكن اقتضاب تجارب كذا وكذا من السنين في شهرين؟! ثم هل يكشف الانسان كل أسراره في أول شهرين؟! وانني لأعتقد أنه لو دام الاتصال سنينا، فإنه ستبقى هناك أمور مخفية وستبقى هناك أسرار، ولذا حتى لو ما زلتَ تحفظ اتصالا كثيفا مع صديق طفولة، وتعوده في بيته عشرات المرات في الشهر، ولا تفارقان بعضكما في الهاتف، فلا تتوقّع واهما أنك تعرف كل شيء عن أسرار صديقك، عن أسرار بيته، عن أسرار نفسه، فلربما هو نفسه غير واعٍ لهذه الأسرار! الله وحده هو من يعلم كل الأسرار وما ورائها، "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" (طه، 7).

ومن ثم نصير نُطلق الشكوك والظنون السيئة، رغم قلة علمنا حتى بمن نعرف حقّ المعرفة.

لماذا لا يأكل من خبزنا؟ لأنه لا يحبّنا بالتأكيد! ولم يخطر على بالنا أنه يمكن أن يكون عنده حساسية من القمح.

لماذا لا يطرح علينا السلام؟ لأنه لا يطيق رؤيتنا بالتأكيد! ولم يخطر على بالنا أنه كان ماشيا كالمغشي عليه لأن أمرا ما يشغله، أو أن عنده خلل في النظر. لماذا لا يُجالسنا؟ لأنه غير اجتماعي، غريب الأطوار! ولا يخطر على بالنا أنه مشغول في أمر هام.

لماذا يقوم من نومه في وسط الليل؟ لأنه شخص غير مفهوم، "الله يعينه على حاله". ولم يخطر على بالنا أنه ذاهب الى موعده الليلي مع ربّه.

لماذا لا نلتمس الأعذار؟! لماذا نُصرّ على تفسير أولي يحتمل الخطأ والصواب؟! وفي الغالب يحمل هذا التفسير اتهاما، شكّا، ظنّا سيئا، استهتارا بالآخر. أنفعل كل هذا من أجل أن نكون راضين عن أنفسنا؟! لننكر جهلنا؟! لنظهر أننا نعرف كل شيء عن من نعرف؟! انه وهمٌ (أننا نعرف كل شيء عن من نعرف) متبوع بوهم (أننا نملك التفسير الأكيد للتصرّف الذي يبدو لنا غريبا)، آن لنا أن نستفيق منهما!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق