28.6.14

انسانية هذا الدين


يقول الدكتور إدوارد غالي الذهبي في كتابه معاملة غير المسلمين في المجتمع الاسلامي: "لقد استخلصت من دراساتي وقراءاتي الشخصية أن الإسلام يرفض العنف، وأنه دين العدالة والمساواة والرحمة والمودة وحسن المعاملة للبشر جميعا، وخاصة أهل الكتاب منهم. بل إن الإسلام يأمر بالرحمة والشفقة على الحيوان، وإذا كان هذا هو موقف الإسلام بالنسبة للحيوان، فكيف بالأحرى يكون موقفه بالنسبة للإنسان؟!".

ويقول فهمي هويدي: "ان التفرقة بين الناس فيما هو دنيوي حسب اعتقادهم أو جنسهم أو لونهم، ليست من منهج الإسلام، إذ القاعدة هي المساواة، والجميع في ديار الإسلام أمة واحدة، والخلق كلهم عيال الله بالتعبير النبوي، فضلا عن أن الناس جميعا خُلقوا من نفس واحدة بالتعبير القرآني".

ويقول الشيخ الشعراوي: "ان الاسلام هو صاحب مبدأ الوحدة الوطنية بين الأكثرية والأقلية، وبين المختلفين في العقائد على السواء".

لقد أُسيء الى الإسلام عبر الزمان بسوء فهمه على أيدي أبنائه وعلى أيدي أعداءه، فأبناؤه "تعنصروا" لدينهم وانغلقوا على أنفسهم وظنّوا أنفسهم أفضل وأعلى شأنا من الآخرين. أما أعداءه فحاولوا وما زالوا يحاولون تخويف الناس من هذا الدين لينفروا منه وعنه، من خلال عرض الحقائق منزوعة عن سياقها التاريخي أو حتى تزييفها وإدخال الأكاذيب الى فيض الصدق (من مثل تحميل النبي أو العلماء ما لم يقولوا). ورغم أن هذا الدين انساني بالدرجة الأولى، إلا أن انسانيته غير بارزة كفكرة عامة عنه، ولكن كجهود فردية، فهم يُصوّرونه أنه دين السيف ودين إراقة الدماء ودين التكفير، ولكن اذا نظرتَ نظرة الميكرو الى أبنائه، فإنك ترى أكثرهم في حياتهم اليومية أقرب ما يكونون الى الإنسانية. 

هذا الدين يُصرّح بشكل واضح ويربّي أبنائه على المساواة ونبذ التفرقة، فكما يحقّ لك أنت تؤمن بما تودّ أن تؤمن به، يحقّ للآخر أن يؤمن بما يودّ أن يؤمن به! ان قضية الإيمان هي قضية بين العبد وربّه، والعبد حرٌ في اختياره، ولكن هذا لا ينفي تأثير الإيمان على العلاقات الإنسانية. إلا أن ما يجب أن يوجّه علاقاتنا هذه هي الإنسانية أو الأخلاق أو القيم الدينية السامية، ولا ينبغي للإيمان أن يشوّش على صفو هذه العلاقات، وان فعل فإنه على الأرجح ايمان زائف. انه لا فرق بين عربي ولا أعجمي في أمور الدنيا (يقول نبي الإسلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى")، ولا فرق بين مسلم ومسيحي، ولا فرق بين ملحد ومؤمن في أمور الدنيا، إلا أن الفرق ينحصر في التقوى، في الإيمان، وهذه قضية بين العبد وربه. ان هذا يعني حقوقا متساوية في النظر وفي العمل، إذ يحقّ للمسيحي أن يمارس طقوسه الدينية كما يحقّ للمسلم، ويحقّ للمسلم أن يدعو الى دينه كما يحقّ للمسيحي وهكذا في الحقوق كلها. ثم ان التعامل ينطلق من كون الذي أمامك انسان، يفكّر ويشعر، يغضب ويفرح، وليس من الخلفية الدينية. لذلك يجب المحافظة على خطوط عريضة للإحسان في التعامل مع المسلم ومع المسيحي، مع اليهودي ومع الدرزي، مما لا يمنع ميل القلب الى أحد دون آخر، ولكن مرة أخرى يجب المحافظة على الإحسان، على الإنسانية، على الأخلاق في التعامل مع الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق